إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ} (89)

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ } ، تكريرٌ لما سبق تثنيةً للتهديد ، { في كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ } ، أي : نبياً ، { مّنْ أَنفُسِهِمْ } ، من جنسهم قطعاً لمعذرتهم ، وفي قوله تعالى : { عَلَيْهِمْ } ، إشعارٌ بأن شهادةَ أنبيائِهم على الأمم تكون بمحضر منهم . { وَجِئْنَا بِكَ } ، إيثارُ لفظ المجيء على البعث ؛ لكمال العنايةِ بشأنه عليه السلام ، وصيغةُ الماضي للدلالة على تحقق الوقوع . { شَهِيدًا على هَؤُلاء } ، الأممِ وشهدائِهم ، كقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً } ، وقيل : على أمتك ، والعاملُ في الظرف محذوفٌ كما مر ، والمراد : يوم القيامة . { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب } ، الكاملَ في الكتابية ، الحقيقَ بأن يُخَص باسم الجنس ، وهو إما استئنافٌ ، أو حال بتقدير قد . { تِبْيَانًا } : بياناً بليغاً ، { لّكُلّ شَيء } ، يتعلق بأمور الدين ، ومن جملة ذلك أحوالُ الأممِ مع أنبيائهم عليهم السلام ، فيكون كالدليل على كونه عليه السلام شهيداً عليهم ، وكذا من جملته ما أخبر به هذه الآيةُ الكريمة من بعث الشهداءِ ، وبعثِه عليه السلام شهيداً عليهم عليهم الصلاة والسلام ، والتبيانُ كالتِّلقاء في كسر أوله ، وكونُه تبياناً لكل شيء من أمور الدين ، باعتبار أن فيه نصاً على بعضها ، وإحالةً لبعضها على السنة ، حيث أُمر باتباع النبي عليه السلام وطاعته ، وقيل فيه : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى } ، وحثًّا على الإجماع . وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال : « أصحابي كالنّجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » . وقد اجتهدوا وقاموا ووطّأوا طرقَ الاجتهاد . فكانت السنة والإجماعُ والقياسُ مستندةً إلى تبيان الكتاب ، ولم يضُرَّ ما في البعض من الخفاء في كونه تبياناً ؛ فإن المبالغةَ باعتبار الكمية دون الكيفية ، كما قيل في قوله تعالى : { وَمَا أَنَا بظلام لّلْعَبِيدِ } ، إنه من قولك : فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده ، ومنه قوله سبحانه : { وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ } . { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } ، للعالمين ، فإن حرمانَ الكفرة من مغانم آثارِه من تفريطهم لا من جهة الكتاب . { وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ } ، خاصة ، أو يكون كلُّ ذلك خاصاً بهم ؛ لأنهم المنتفِعون بذلك .