ثم كرّر سبحانه وتعالى التحذير من ذلك اليوم على وجه يزيد على ما أفهمته الآية السابقة ، وهو أنّ الشهادة تقع على الأمم لا لهم ، وتكون بحضرتهم فقال : { ويوم } أي : وخوفهم ، أو واذكر لهم يوم { نبعث } ، أي : بمالنا من القدرة ، { في كل أمّة } من الأمم ، والأمّة عبارة عن القرن والجماعة ، { شهيداً عليهم } ، قال ابن عباس : يريد الأنبياء . قال المفسرون : كل نبيّ شاهد على أمّته ، وهو أعدل شاهد عليها . { من أنفسهم } ، أي : منهم ؛ لأنّ كل نبيّ إنما بعث من قومه الذين بعث إليهم ؛ ليشهدوا عليهم بما فعلوا من كفر وإيمان ، وطاعة وعصيان . { وجئنا } ، بما لنا من العظمة ، { بك } ، يا خير المرسلين ، { شهيداً على هؤلاء } ، أي : الذين بعثناك إليهم ، وهم أهل الأرض ، وأكثرهم ليس من قومه صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك لم تقيد بعثته بشيء ، وقال أبو بكر الأصم : المراد بذلك الشهيد : هو أنه تعالى ينطق عشرة من أعضاء الإنسان ، حتى أنها تشد عليه ، وهو : الأذنان والعينان والرجلان واليدان والجلد واللسان ، قال : والدليل عليه ما قاله في صفة الشهيد أنه من أنفسهم ، وهذه الأعضاء لا شك أنها من أنفسهم ، ورد بأنه تعالى قال : { شهيدا عليهم } ، يجب أن يكون غيرهم ، وأيضاً قال : { من كل أمّة } ، فيجب أن يكون ذلك الشهيد من الأمّة ، وآحاد هذه الأعضاء لا يصح وصفها بأنها من الأمّة ، ثم بيّن تعالى أنه أزاح علتهم فيما كلفوا به ، فلا حجة لهم ولا معذرة بقوله تعالى : { ونزلنا } ، أي : بعظمتنا ، بحسب التدريج والتنجيم ، { عليك } ، يا خير خلق الله ، { الكتاب } ، أي : القرآن الجامع للهدى ، { تبياناً } ، أي : بياناً بليغاً ، { لكل شيء } ، فإن قيل : كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء ؟ أجيب : بأن المعنى من كل شيء من أمور الدين ، حيث كان نصاً على بعضها ، وإحالة على السنة ، حيث أمر فيه باتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم وطاعته . وقد قال تعالى : { وما ينطق عن الهوى } [ النجم ، 3 ] ، وحثاً على الإجماع في قوله تعالى : { ويتبع غير سبيل المؤمنين } [ النساء ، 115 ] . وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمّته اتباع أصحابه والاقتداء بآثارهم ، وقد اجتهدوا وقاسوا ووطّؤوا طرق القياس والاجتهاد ، فكانت السنة والإجماع والقياس والاجتهاد مسندة إلى تبيان الكتاب ، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء ، { وهدى } ، أي : من الضلالة ، { ورحمة } ، لمن آمن به وصدّقه ، { وبشرى } ، بالجنة ، { للمسلمين } ، أي : الموحدين خاصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.