إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (90)

{ إِنَّ الله يَأْمُرُ } ، أي : فيما نزّله تبياناً لكل شيء وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين ، وإيثارُ صيغةِ الاستقبال فيه وفيما بعده لإفادة التجددِ والاستمرار . { بالعدل } ، بمراعاة التوسطِ بين طرفي الإفراطِ والتفريطِ ، وهو رأسُ الفضائل كلِّها ، يندرج تحته فضيلةُ القوةِ العقلية الملكية ، من الحِكمة المتوسطةِ بين الحُرية والبَلادة ، وفضيلةُ القوةِ الشهوية البهيمية ، من العِفة المتوسّطة بين الخلاعة والخمود ، وفضيلةُ القوة الغضبية السبعية ، من الشجاعة المتوسطة بين التهوُّرِ والجُبن ، فمن الحِكم الاعتقادية التوحيدُ المتوسطُ بين التعطيل والتشريك . نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن العدلَ : هو التوحيدُ » والقولُ بالكسب المتوسّطِ بين الجبر والقدَر ، ومن الحِكم العملية : التعبدُ بأداء الواجبات المتوسطِ بين البَطالة والترهب ، ومن الحِكم الخلُقية : الجودُ المتوسط بين البخل والتبذير . { والإحسان } ، أي : الإتيانِ بما أمر به على الوجه اللائقِ ، وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل ، أو بحسب الكيفيةِ كما يشير إليه قولُه صلى الله عليه وسلم : " الإحسانُ أن تعبدَ الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . { وَإِيتَاء ذي القربى } ، أي : إعطاءِ الأقارب ما يحتاجون إليه ، وهو تخصيصٌ إثرَ تعميمٍ اهتماماً بشأنه . { وينهى عَنِ الفحشاء } ، الإفراط في مشايعة القوةِ الشهوية كالزنا مثلاً . { والمنكر } ، ما يُنكَر شرعاً أو عقلاً ، من الإفراط في إظهار آثار القوةِ الغضبية . { والبغي } ، الاستعلاءُ والاستيلاءُ على الناس والتجبرُ عليهم ، وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانيةِ ، التي هي حاصلةٌ من رذيلتَيْ القوتين المذكورتين الشهويةِ والغضبية . وليس في البشر شرٌّ إلا وهو مندرجٌ في هذه الأقسام ، صادرٌ عنه بواسطة هذه القُوى الثلاث ، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه : " هي أجمعُ آيةٍ في القرآن للخير والشر " ، ولو لم يكن فيه غيرُ هذه الآية الكريمة ، لكفَتْ في كونه تبياناً لكل شيءٍ ، وهدى [ ورحمة ] . { يَعِظُكُمُ } ، بما يأمر وينهى ، وهو إما استئنافٌ وإما حالٌ من الضميرين في الفعلين . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } طلباً لأن تتعظوا بذلك .