غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ} (89)

84

ثم شرف نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله : { وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } ، أي : على أمتك . . ولا ريب أن في تخصيصه بعد التعميم ، دلالة على فضله ، نظيره : قوله في سورة النساء : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] ، قال الإمام فخر الدين الرازي . الأمة عبارة عن القرن والجماعة ، فيعلم من الآية أنه لا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم ، ويكونون شهداء على غيرهم ، وهم أهل الحل والعقد ، فيكون إجماعهم حجة . ولقائل أن يقول : الأمة في الآية : هي الجماعة الذين بعث النبي إليهم ، وإلى من سيوجد منهم إلى آخر زمان دينه ، فيكون نبي تلك الأمة وحده شهيداً عليهم . ولا دلالة للآية إلا على هذا القدر ، فمن أين حل لك أن إجماع أهل الحل والعقد في كل عصر حجة ؟ ثم بين أنه أزاح علتهم فيما كلفوا فيه ، فلا حجة لهم ولا معذرة ، فقال : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ، أي : بياناً له ، والتاء للمبالغة ، ونظيره من المصادر " التلقاء " ، ولم يأت غيرهما ، وقد مر في " الأعراف " . قال الفقهاء . إنما كان القرآن بيان جميع الأحكام ؛ لأن الأحكام المستنبطة من السنة والإجماع والقياس والاجتهاد ، كلها تستند إلى الكتاب ، حيث أمر فيه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، وورد فيه : { ويتبع غير سبيل المؤمنين } [ النساء : 115 ] ، وجاء { فاعتبروا } [ الحشر : 2 ] .

وقال آخرون : إن علم أصول الدين كلها في القرآن . وأما علم الفروع : فالأصل براءة الذمة ، إلا ما ورد به نص القرآن ، فإذن القرآن وافٍ ببيان جميع الأحكام ، والقياس شائع ، ولعل التبيان إنما هو للعلماء خاصة ، والهدى لجميع الخلق في أوّل أحوالهم ، والرحمة في وسطه ، وهو مدة العمر بعد الإسلام ، والبشرى في أوان الأجل كما قال سبحانه : { إن الذين قالوا ربنا الله } [ فصلت : 30 ] ، إلى قوله : { وأبشروا } [ فصلت : 30 ] ، والله أعلم بمراده .

/خ100