إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (37)

والفاء في قوله تعالى : { فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها تنبيهاً على سوء صنيعِهم بجعلهم ما يوجب الاتفاقَ منشأً للاختلاف ، فإن ما حُكي من مقالات عيسى عليه السلام مع كونها نصوصاً قاطعةً في كونه عبدَه تعالى ورسولَه قد اختلفت اليهودُ والنصارى بالتفريط والإفراط ، أو فرّق النصارى ، فقالت النُّسطوريةُ : هو ابنُ الله ، وقالت اليعقوبيةُ : هو الله هبط إلى الأرض ثم صعِد إلى السماء تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وقالت الملكانية : هو عبدُ الله ونبيُّه .

{ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المختلفون عبّر عنهم بالموصول إيذاناً بكفرهم جميعاً وإشعاراً بعلة الحُكم { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي من شهود يومٍ عظيمِ الهول والحساب والجزاء وهو يومُ القيامة ، أو من وقت شهودِه أو من مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم ، وهو أن يشهد عليهم الملائكةُ والأنبياءُ عليهم السلام وألسنتُهم وآذانُهم وأيديهم وأرجلُهم وسائرُ آرابِهم{[528]} بالكفر والفسوق ، أو من وقت الشهادة أو من مكانها ، وقيل : هو ما شِهدوا به في حق عيسى وأمِّه عليهما السلام .


[528]:أي سائر أعضائهم.