اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (37)

قوله تعالى : { فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ } .

قيل : المرادُ النَّصارى ، سُمُّوا أحزاباً ؛ لأنهم تحزَّبُوا ثلاث فرق في أمر عيسى : النَّسْطُوريَّة ، والملكانيَّة [ واليعقوبيَّة ]{[21619]} وقيل : المراد بالأحزاب الكفَّار بحيثُ يدخلُ فيهم اليهودُ ، والنصارى ، والكفَّار الذين كانوا في زمان محمَّد- صلوات الله وسلامه عليه- وهذا هو الظاهرُ ؛ لأنَّه تخصيصٌ فيه ، ويؤيِّدهُ قوله تعالى : { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } .

قوله : { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } : " مَشْهَد " مفعل : إمَّا من الشَّهادة ، وإمَّا من الشُّهود ، وهو الحضورُ ، و " مَشْهَدا " هنا : يجوز أن يراد به الزمانُ ، أو المكان ، أو المصدر : فإذا كان من الشهادة ، والمرادُ به الزمانُ ، فتقديرهُ : من وقتٍ شهادة ، وإن أريد به المكانُ ، فتقديره : من مكانِ شهادةِ يومٍ ، وإن أريد المصدرُ ، فتقديره : من شهادة ذلك اليومِ ، وأن تشهد عليهم ألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم ، والملائكة ُ ، والأنبياءُ ، وإذا كان من الشهود وهو الحضور ، فتقديره : من شهود الحساب والجزاء يوم القيامة ، أو من مكان الشهود فيه ، وهو الموقفُ ، أو من وقت الشُّهود ، وإذا كان مصدراً بحالتيه المتقدمتين ، فتكونُ إضافتهُ إلى الظرف من باب الاتِّساع ؛ كقوله { مالك يَوْمِ الدين } [ الفاتحة : 4 ] .

ويجوز أن يكون المصدر مضافاً لفاعله على أن يجعل اليوم شاهداً عليهم : إمَّا حقيقة ، وإمَّا مجازاً .

ووصف ذلك المشهد بأنَّه عظيمٌ ؛ لأنَّه لا شيء أعظم ممَّا يشاهدُ ذلك اليوم من أهواله .


[21619]:في ب: والمار يعقوبية.