البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ} (37)

{ فاختلف الأحزاب من بينهم } هذا إخبار من الله للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقاً ، ومعنى { من بينهم } أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم .

و { الأحزاب } قال الكلبي : اليهود والنصارى .

وقال الحسن : الذين تحزبوا على الأنبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى .

فالضمير في { بينهم } على هذا ليس عائداً على { الأحزاب } .

وقيل : { الأحزاب } هنا المسلمون واليهود والنصارى .

وقيل : هم النصارى فقط .

وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم .

فقال أحدهم : عيسى هو الله نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات ، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية .

ثم قال أحد الثلاثة : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية ، وقال أحد الاثنين : عيسى أحد ثلاثة الله إله ، ومريم إله ، وعيسى إله فكذبه الرابع وأتبعته الإسرائيلية .

وقال الرابع : عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة ، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت { إن الذين يكفرون بآيات الله } آية آل عمران ، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل .

وبين هنا أصله ظرف استعمل اسماً بدخول { من } عليه .

وقيل : { من } زائدة .

وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق .

و { مشهد } مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدراً ومكاناً وزماناً ، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة ، وأن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف ، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة ، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر ، وأن يكون من مكان الشهادة ، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة .

وعن قتادة : هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم ، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى { فما أصبرهم على النار } وأنه لا يوصف بالتعجب .