إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

سورة طه مكية إلا آيتي 130 و 131 فمدنيتان وهي مائة وخمس وثلاثون آية .

{ طه } فخّمهما قالونُ وابنُ كثير وابنُ عامر وحفصٌ ويعقوبُ على الأصل ، والطاءَ وحده أبو عمْرو وورْشٌ لاستعلائه وأمالَهما الباقون ، وهو من الفواتح التي يُصدّر بها السورُ الكريمةُ وعليه جمهورُ المتْقنين . وقيل : معناه يا رجلُ وهو مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبير وقَتادةَ وعِكرِمةَ والكلبي ، إلا أنه عند سعيدٍ على اللغة النبْطية وعند قتادة على السُّريانية وعند عكرمة على الحبشية وعند الكلبي على لغة عكّ ، وقيل : عُكْل وهي لغة يمانيةٌ ، قالوا : إن صح فلعل أصلَه يا هذا فتصرّفوا فيه بقلب الياء طاءً وحذفِ ذا من هذا ، وما استُشهد به من قول الشاعر : [ البسيط ]

إن السَّفاهَةَ طاها في خلائِقِكُم *** لا قدّس الله أخلاقَ الملاعينِ

ليس بنص في ذلك لجواز كونِه قسماً كما في حم لا يُنْصرون ، وقد جوز أن يكون الأصلُ طَأْها بصيغة الأمر من الوطء فقُبلت الهمزةُ في يطأُ ألفاً لانفتاح ما قبلها كما في قول مَنْ قال : لا هَناك المرتُع ، وها ضميرُ الأرض على أنه خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرضَ بقدميه لمّا كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه مبالغةً في المجاهدة ، ولكن يأباه كتابتُهما على صورة الحرف ، كما تأبى التفسيرَ بيا رجلُ فإن الكتابةَ على صورة الحرف مع كون التلفظِ بخلافه من خصائص حروفِ المُعجم ، وقرئ إما على أن أصلَه طَأْ فقلبت همزتُه هاءً كما في أمثال هَرَقتَ أو قلبت الهمزة في يطأ ألفاً كما مر ، ثم بُني منه الأمر وألحق به هاءُ السكت وإما على أنه اكتُفي في التلفظ بشطْري الاسمين وأُقيما مُقامَهما في الدِلالة على المسمَّيين فكأنهما اسماهما الدالان عليها . وعلى هذا ينبغي أن يحمل قولُ من قال : أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبّر عنهما باسمهما وإلا فالشطران لم يذكرا من حيث إنهما مسمَّيان لاسمَيهما ليقعا معبَّراً عنهما ، بل من حيث إنهما جزءان لهما قد اكتُفيَ بذكرهما عن ذكرهما ولذلك وقع التلفظُ بأنفسهما لا باسميهما بأن يراد بضمير التثنية في الموضعين الشطران من حيث هما جزآنِ للاسمين ، ويراد باسمهما الشطران من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين فالمعنى اكتُفي في التلفظ بشطري الكلمتين أي الاسمين فعبّر عنهما أي عن الشطرين من حيث هما مسمَّيان بهما من حيث هما قائمان مقامَ الاسمين ، وأما حملُه على معنى أنه اكتُفي في الكتابة بشطري الكلمتين يعني طا على تقديري كونِه أمراً وكونِه حرفَ نداء ، وها على تقديري كونِها كنايةً عن الأرض وكونِها حرفَ تنبيهٍ وعُدل عن ذينك الشطرين في التلفظ باسمهما تبيّن البُطلانُ كيف و ( طا ) و ( ها ) على ما ذكر من التقادير ليسا باسمين للحرفين المذكورين ، بل الأولُ أمرٌ أو حرفُ نداء والثاني ضميرُ الأرض أو حرفُ تنبيهٍ ، على أن كتابةَ صورةِ الحرف والتلفظَ بغيره من خواصّ حروفِ المعجم كما مر ، فالحق ما سلف من أنها من الفواتح إما مسرودةٌ على نمط التعديدِ بأحد الوجهين المذكورين في مطلع سورة البقرة فلا محلَّ لها من الإعراب وكذا ما بعدها من قوله تعالى : { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى } .