إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذلك } إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ من حال المؤمنين ، وما فيهِ منْ مَعْنى البُعد للإيذان ببُعد منزلةِ المشارِ إليه { هُوَ الفضل الكبير } الذي لا يُقادَرُ قَدرُه ولا يُبلغُ غايتُه .

{ ذلك } الفضلُ الكبيرُ هو { الذي يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ } أي يبشرُهم به ، فحذفَ الجارُّ ثمَّ العائدَ إلى الموصول كما في قوله تعالى : { أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً }[ سورة الفرقان ، الآية 41 ] أو ذلكَ التبشيرُ الذي يبشرُه الله تعالَى عبادَهُ { الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات } . وقُرِئ يُبْشِرُ منْ أبشرَ .

{ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } رُويَ أنَّه اجتمعَ المشركونَ في مجمعٍ لهم فقالَ بعضُهم لبعضٍ : أترونَ أنَّ محمداً يسألُ على ما يتعاطاهُ أجراً فنزلتْ . أيْ لا أطلبُ منكُم على ما أنا عليهِ من التبليغ والبشارة { أَجْراً } نفعاً { إِلاَّ المودة فِي القربى } أيْ إلا أن تودُّون لقرابتي منكم أو تودُّوا أهل قرابتي ، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسألُكم أجراً قَطُّ ولكنْ أسألُكم الموَّدةَ . وفي القُربي حالٌ منَها أيْ إلا المودَّةَ ثابتةً في القُربى متمكنةً في أهلِها أو في حقَ القرابةِ . والقُرْبى مصدرٌ كالزُّلْفى بمَعْنى القَرَابةِ . رُويَ أنَّها لما نزلتْ قيلَ : يا رسولَ الله مَنْ قرابتُكَ هؤلاءِ الذينَ وجبتْ علينا مودَّتُهم ؟ قالَ عليٌّ وفاطمةُ وابناهُمَا . وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : «حُرِّمتْ الجنةُ على مَنْ ظلمَ أهلَ بيتِي وآذانِي في عِتْرتِي ، ومن اصطنعَ صنيعةَّ إلى أحدٍ من ولدِ عبدِ المطلبِ ولمْ يجازِهْ فأَنَا أجازيهِ عليها غداً إذا لَقِيَنِي يومَ القيامةِ » . وقيلَ : القُرْبَى التقربُ إلى الله أيْ إلاَّ أن تودُّوا الله ورسولَهُ في تقربكم إليهِ بالطاعةِ والعملِ الصالحِ . وقُرِئ إلا مودَّةً في القُربَى . { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } أي يكتسبْ أيَّ حسنةٍ كانتْ فتتناولُ مودَّةَ ذِي القُرْبى تناولاً أولياً . وعن السُدِّيِّ : أنَّها المرادةُ ، وقيلَ : نزلتْ في الصدِّيقِ رضيَ الله عنه ومودَّتهُ فيهم . { نزِدْ لَهُ فِيهَا } أيْ في الحسنة { حَسَنًا } بمضاعفةِ الثوابِ . وقُرِئ يَزِدْ أيْ يزدِ الله وقُرِئ حُسْنَى . { إنَّ الله غَفُورٌ } لمن أذنبَ . { شَكُورٍ } لمن أطاعَ بتوفيقِه للثوابِ والتفضلِ عليهِ بالزيادةِ .