ثم قال : { أَوْ كَصَيِّبٍ } هذا مثل آخر ضربه الله لهم أيضاً معطوف على المثل الأوّل مجازه : مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ومثلهم أيضاً كصيّب .
قال أهل المعاني : ( أو ) بمعنى الواو ، يريد وكصيّب ، كقوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ } [ البقرة : 108 ] وأنشد الفراء :
وقد زعمت سلمى بأنّي فاجر *** لنفسي تقاها أو عليها فجورها
يصيب قد راح يروي الغُدُرا [ فاستوعب ] الأرض لمّا أن سرا
وأصله من صاب يصوب صوباً إذا نزل .
فلست لأنسي ولكن لملاك *** تنزّل من جوّ السماء يصوب
كأن المدام وصوب الغمام *** وريح الخزامي ونشر القطر
فسمّي المطر صيّباً لأنّه ينزل من السماء .
واختلف النّحاة في وزنه من الفعل ، فقال البصريون : هو على وزن فيعل بكسر العين ، ولا يوجد هذا المثال إلاّ في المعتل نحو سيّد وميّت وليّن وهيّن وضيّق وطيّب ، وأصله صهيوب ، فجعلت الواو ياء فأُدغمت إحدى اليائين في الأُخرى .
وقال الكوفيون : هو وأمثاله على وزن فعيل بكسر العين وأصله : صَييِبْ فاستثقلت الكسرة على الياء فسُكّنت وأدغمت إحداهما في الأخرى وحرّكت الى الكسر .
والسماء : كلّ ما علاك فأظلك وأصله : سماو ؛ لأنه من سما يسمو ، فقلبت الواو همزة لأنّ الألف لا تخلو من مدّة وتلك المدّة كالحركة ، وهو من أسماء الأجناس ، يكون واحداً أو جمعاً ، قال الله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] ثم قال : { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } [ البقرة : 29 ] .
وقيل : هو جمع واحدتها سماوة ، والسموات جمع الجمع .
سماوة الهلال حتى احقوقفا *** طي الليالي زلفا فزلفا
{ فِيهِ } أي في الصيّب ، وقيل : في الليل كناية عن [ ضمير ] مذكور ، وقيل : في السماء ؛ لأنّ المراد بالسماء السّحاب ، وقيل : هو عائد الى السماء على لغة من يذكرها .
فلو رفع السماء إليه قوماً *** لحقنا بالسماء مع السّحاب
والسماء يذكّر ويؤنّث . قال الله تعالى : { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] . وقال : { إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ } [ الإنفطار : 1 ] . { ظُلُمَاتٌ } : جمع ظلمة ، وضُمّت اللام على الإتباع بضمّ الظاء .
وقرأ الأعمش : ( ظُلْمات ) بسكون اللام على أصل الكلام لأنّها ساكنة في التوحيد .
أبتْ ذكر مَنْ عوّدن أحشاء قلبه *** خفوقاً ورفصات الهوى في المفاصل
ونزّل الفاء ساكنة على حالها في التوحيد .
وقرأ أشهب العقيلي : ( ظلمات ) بفتح اللام ، وذلك إنّه لمّا أراد تحريك اللام حرّكها الى أخفّ الحركات .
فلمّا رأونا بادياً ركباتنا *** على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
{ وَرَعْدٌ } : وهو الصوت الذي يخرج من السحاب . { وَبَرْقٌ } : وهو النار الذي تخرج منه .
قال مجاهد : الرعد ملك يسبّح بحمده ، يقال لذلك الملك : رعد ، والصّريم أيضاً رعد .
وقال عكرمة : الرعد ملك موكّل بالسحاب يسوقها كما يسوق الراعي الإبل .
شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحاب كما يحثّ الراعي الإبل فاذا انتبذت السحاب ضمّها فاذا اشتدَّ غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق .
ربيعة بن الأبيض عن علي عليه السلام قال : البرق مخاريق الملائكة .
وقال أبو الدرداء : الرعد للتسبيح ، والبرق للخوف والطمع ، والبرد عقوبة ، والصواعق للخطيئة ، والجراد رزق لقوم وزجر لآخرين ، والبحر بمكيال ، والجبال بميزان .
وأصل البرق من البريق والضوء ، والصواعق : المهالك ، وهو جمع صاعقة ، والصاعقة والصاقعة والصّعقة : المهلكة ، ومنه قيل : صعق الإنسان ، إذا غشيَ عليه ، وصعق ، إذا مات . { حَذَرَ الْمَوْتِ } أي مخافة الموت ، وهو نصب على المصدر ، وقيل لنزع حرف الصفة .
وقرأ قتادة : حذار الموت . { واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } أي عالم بهم ، يدل عليه قوله : { أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [ الطلاق : 12 ] .
وقيل : معناه : والله مهلكهم وجامعهم ، دليله قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] : أي تهلكوا جميعاً .
وأمال أبو عمرو والكسائي ( الكافرين ) في حال الخفض والنّصب ولكسرة الفاء والراء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.