الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

ثم قال : { أَوْ كَصَيِّبٍ } هذا مثل آخر ضربه الله لهم أيضاً معطوف على المثل الأوّل مجازه : مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ومثلهم أيضاً كصيّب .

قال أهل المعاني : ( أو ) بمعنى الواو ، يريد وكصيّب ، كقوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ } [ البقرة : 108 ] وأنشد الفراء :

وقد زعمت سلمى بأنّي فاجر *** لنفسي تقاها أو عليها فجورها

وأنشد أبو عبيدة :

يصيب قد راح يروي الغُدُرا [ فاستوعب ] الأرض لمّا أن سرا

وأصله من صاب يصوب صوباً إذا نزل .

قال الشاعر :

فلست لأنسي ولكن لملاك *** تنزّل من جوّ السماء يصوب

وقال أمرؤ القيس :

كأن المدام وصوب الغمام *** وريح الخزامي ونشر القطر

فسمّي المطر صيّباً لأنّه ينزل من السماء .

واختلف النّحاة في وزنه من الفعل ، فقال البصريون : هو على وزن فيعل بكسر العين ، ولا يوجد هذا المثال إلاّ في المعتل نحو سيّد وميّت وليّن وهيّن وضيّق وطيّب ، وأصله صهيوب ، فجعلت الواو ياء فأُدغمت إحدى اليائين في الأُخرى .

وقال الكوفيون : هو وأمثاله على وزن فعيل بكسر العين وأصله : صَييِبْ فاستثقلت الكسرة على الياء فسُكّنت وأدغمت إحداهما في الأخرى وحرّكت الى الكسر .

والسماء : كلّ ما علاك فأظلك وأصله : سماو ؛ لأنه من سما يسمو ، فقلبت الواو همزة لأنّ الألف لا تخلو من مدّة وتلك المدّة كالحركة ، وهو من أسماء الأجناس ، يكون واحداً أو جمعاً ، قال الله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] ثم قال : { فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } [ البقرة : 29 ] .

وقيل : هو جمع واحدتها سماوة ، والسموات جمع الجمع .

قال الراجز :

سماوة الهلال حتى احقوقفا *** طي الليالي زلفا فزلفا

{ فِيهِ } أي في الصيّب ، وقيل : في الليل كناية عن [ ضمير ] مذكور ، وقيل : في السماء ؛ لأنّ المراد بالسماء السّحاب ، وقيل : هو عائد الى السماء على لغة من يذكرها .

قال الشاعر :

فلو رفع السماء إليه قوماً *** لحقنا بالسماء مع السّحاب

والسماء يذكّر ويؤنّث . قال الله تعالى : { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] . وقال : { إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ } [ الإنفطار : 1 ] . { ظُلُمَاتٌ } : جمع ظلمة ، وضُمّت اللام على الإتباع بضمّ الظاء .

وقرأ الأعمش : ( ظُلْمات ) بسكون اللام على أصل الكلام لأنّها ساكنة في التوحيد .

كقول الشاعر وهو ذو الرّمّة :

أبتْ ذكر مَنْ عوّدن أحشاء قلبه *** خفوقاً ورفصات الهوى في المفاصل

ونزّل الفاء ساكنة على حالها في التوحيد .

وقرأ أشهب العقيلي : ( ظلمات ) بفتح اللام ، وذلك إنّه لمّا أراد تحريك اللام حرّكها الى أخفّ الحركات .

كقول الشاعر :

فلمّا رأونا بادياً ركباتنا *** على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل

{ وَرَعْدٌ } : وهو الصوت الذي يخرج من السحاب . { وَبَرْقٌ } : وهو النار الذي تخرج منه .

قال مجاهد : الرعد ملك يسبّح بحمده ، يقال لذلك الملك : رعد ، والصّريم أيضاً رعد .

والبرق : ملك يسوق السحاب .

وقال عكرمة : الرعد ملك موكّل بالسحاب يسوقها كما يسوق الراعي الإبل .

شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحاب كما يحثّ الراعي الإبل فاذا انتبذت السحاب ضمّها فاذا اشتدَّ غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق .

ربيعة بن الأبيض عن علي عليه السلام قال : البرق مخاريق الملائكة .

وقال أبو الدرداء : الرعد للتسبيح ، والبرق للخوف والطمع ، والبرد عقوبة ، والصواعق للخطيئة ، والجراد رزق لقوم وزجر لآخرين ، والبحر بمكيال ، والجبال بميزان .

وأصل البرق من البريق والضوء ، والصواعق : المهالك ، وهو جمع صاعقة ، والصاعقة والصاقعة والصّعقة : المهلكة ، ومنه قيل : صعق الإنسان ، إذا غشيَ عليه ، وصعق ، إذا مات . { حَذَرَ الْمَوْتِ } أي مخافة الموت ، وهو نصب على المصدر ، وقيل لنزع حرف الصفة .

وقرأ قتادة : حذار الموت . { واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } أي عالم بهم ، يدل عليه قوله : { أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [ الطلاق : 12 ] .

وقيل : معناه : والله مهلكهم وجامعهم ، دليله قوله : { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] : أي تهلكوا جميعاً .

وأمال أبو عمرو والكسائي ( الكافرين ) في حال الخفض والنّصب ولكسرة الفاء والراء .