الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } أولاد يعقوب ، ومعنى إسرائيل : صفوة الله ، وإيل هو الله عزّ وجلّ ، وقيل : معناه : عبد الله ، وقيل : سمّي بذلك لأنّ يعقوب وعيصا كانا توأمين واقتتلا في بطن أُمهما ، فأراد يعقوب أن يخرج فمنعه عيص وقال : والله لئن خرجت قبلي لأعترضنّ في بطن أمّي ، فلأقتلنّها ، فتأخّر يعقوب وخرج عيص وأخذ يعقوب يعقب عيص فخرج عيص قبل يعقوب .

وسمّي عيص لما عصى فخرج قبل يعقوب ، وكان عيص أحبّهما الى أبيه وكان يعقوب أحبّهما الى أُمة ، وكان عيص ( ويعقوب أبناء ) إسحاق وعميَ ، قال لعيص : يا بنّي أطعمني لحم صيد واقترب مني أُدعُ لك بدعاء دعا لي به أبي ، وكان عيص رجلا أشعر وكان ( يعقوب ) رجلاً أمرد ، فخرج عيص بطلب الصيد ، فقالت أُمّه ليعقوب : يا بنّي إذهب الى الغنم فاذبح منه شاةً ثمّ اشوه والبس جلدها وقدمها الى أبيك فقل له : أنّك عيص ، ففعل ذلك يعقوب ، فلمّا جاء قال : يا أبتاه كل ، قال : من أنت ، قال : ابنك عيص ( قال : خمسه فقال : المس مسّ عيص والريح ريحة يعقوب ، قالت أُمه : هو ابنك ، فادع له ، قال : قدم طعامك فقدّمه فأكل منه ، ثم قال : أُدن مني ، فدنا منه ، فدعا له أن يجعل في ذريته الأنبياء والملوك . وقام يعقوب وجاء عيص فقال : قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به . فقال : يا بني قد سبقك أخوك يعقوب ، فغضب عيص وقال : والله لأقتلنه ، قال : يا بني قد بقيت لك دعوة ، فهلم أدع لك بها ، فدعا له فقال : تكون ذريتك عدداً كثيراً كالتراب ولا يملكهم أحد غيرهم . . . ) . { اذْكُرُواْ } . . . .

روى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والمحدث بنعمة الله شاكر وتاركها كافر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب " . { نِعْمَتِيَ } أراد نعمي أعطها وهي واحد [ بمعنى الجمع ] وهو قوله تعالى { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] والعدد لا يقع على الواحد . { الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي على أجدادكم ، وذلك أن الله تعالى فلق لهم البحر وأنجاهم من فرعون وأهلك عدوّهم فأورثهم ديارهم وأموالهم ، وظلل عليهم الغمام في التيه من حر الشمس ، وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، وأنزل عليهم المنّ والسّلوى ، وفجّر لهم اثني عشرة عيناً [ وأنزل ] عليهم التوراة فيها بيان كلّ شيء يحتاجون إليه في نعم من الله كثيرة لا تحصى . { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي } الذي عهدت اليكم { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أدخلكم الجنّة وأنجز لكم ما وعدتكم .

فقرأ الزهري : أوفّ بالتّشديد على التأكيد يقال : وفّى وأوفى كلّها بمعنى [ واحد ] وأصلها الاتمام .

قال الكلبي : عهد الى بني إسرائيل على لسان موسى : إنّي باعث من بني إسماعيل نبيّاً أميّاً فمن إتّبعه [ وآمن ] به عفوت عن ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين إثنين ، وهو قوله : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [ آل عمران : 187 ] يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم .

قتادة : هو العهد الذي أخذ الله عليهم في قوله : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ المائدة : 70 ] وقوله تعالى : { قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] فهذا قوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي } ثم قال : { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }

الآية [ المائدة : 12 ] . فهذا قوله { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } .

فقال : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ }

الآية [ البقرة : 83 ] .

الحسن : هو قوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ } [ البقرة : 63 ] الآية .

إسماعيل بن زياد : ولا تفرّوا من الزحف أدخلكم الجنة ، دليله قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ } [ الأحزاب : 15 ] .

وقيل : أوفوا بشرط العبوديّة ، أوفِ بشرط الربوبيّة .

وقال أهل الاشارة : أوفوا في دار محنتي على بساط خدمتي ، [ أوفِ عهدكم ] في دار نعمتي على بساط كرامتي بقربي ورؤيتي . { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } فخافوني في نقض العهد [ وسقطت الياء بعد النون في ] هذه الآيات وفي كلّ القرآن على الأصل ، وحذفها الباقون على الخط إتّباعاً للمصحف .