{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ } : يعني الجنّة ، قاله ابن عباس ومجاهد وعمر بن ميمون والسدّي ، وقال عطية : يعني الطاعة .
أبو روق : يعني الخير ، مقاتل بن حيان : التقوى ، الحسن : لن يكونوا أبرارا .
{ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } : أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبّها إليكم طيّبة بها أنفسكم ، صغيرة في أعينكم .
مجاهد والكلبي : هذه الآية منسوخة ، نسختها آية الزكاة .
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : أراد بهذه الآية الزكاة يعني : حتى تخرجوا زكاة أموالكم ، وقال عطاء : لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحّاء أشحّاء ، تأملون العيش ، وتخشون الفقر ، وقال الحسن : كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغي به وجه الله تعالى فإنّه من الذي عنى الله سبحانه بقوله : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } حتى التمرة .
" وروي أنّ أبا طلحة الأنصاري كان من أكثر الأنصار نخلا بالمدينة ، وكان أحب أمواله إليه بئر ماء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلمّا نزلت { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قام أبو طلحة فقال : يا رسول الله إنّ الله يقول : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإنّ أحبّ أموالي إليّ بئر ماء وإنّها صدقة أرجو برّها وذخرها عند الله عز وجل ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بخ بخ ، ذلك مال رابح لك وقد عرفت ما قلت ، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين " " .
فقال له : أفعل يا رسول الله ، فقسّمها في أقاربه وبني عمّه .
وروى معمّر عن أيوب وغيره قال : لما نزلت : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } " جاء زيد بن حارثة بفرس كانت له يحبّها وقال : هذه في سبيل الله ، فحمل عليها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد . فكان زيداً واجداً في نفسه وقال : إنّما أردت أن أتصدق به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إنّ الله قد قبلها منك " " .
وقال حوشب : " لمّا نزلت { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ } قالت امرأة لجارية لها لا تملك غيرها : أعتقك وتقيمين معي غير أنّي لست أشرط عليك ذلك ، فقالت : نعم ، فلمّا أعتقتها ذهبت وتركتها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعيها فقد حجبتك عن النار ، وإذا سمعت بسبيي قد جاءني فأتيني " " .
وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا : كتب عمر بن الخطّاب ( رضي الله عنه ) أن يبتاع جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى ، فقال سعد بن أبي وقاص : فدعا بها عمر فأعجبته فقال : إنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فأعتقها .
وروى حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلبي هذه الآية : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ . . . } فتذكرت ما أعطاني الله ، فما كان شيء أعجب إليّ من فلانة فقلت : هي حرة لوجه الله ، ولولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله عز وجل لنكحتها .
ويقال : ضاف أبا ذر الغفاري ضيف فقال للضيف : إنّي مشغول فاخرج إلى أبواء فإنّ لي بها إبلا فأتني بخيرها ، فذهب وجاء بناقة مهزولة فقال له أبو ذر : جئتني بشرها ، فقال : وجدت خير الإبل فحلها فتذكرت يوم حاجتكم إليه ، فقال أبو ذر : إنّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي مع أنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } .
وعن رجل من بني سليم يقال له عبد الله بن سيدان عن أبي ذر قال : في المال ثلاث شركاء : القدر لا يستأمرك أن تذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت أو فعل ، والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم ، والثالث أنت فإن استطعت أن لا يكون أعجب إليك مالا فإنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } ، وإنّ هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدّمه لنفسي .
وروي عن ربيع بن خيثم أنّه وقف سائل على بابه ، فقال : أطعموه سكراً فقيل : ما يصنع هذا بالسكّر فنطعمه خبزاً فهو أنفع له ، فقال : ويحكم أطعموه سكّراً ؛ فإنّ الربيع يحب السكّر .
وروي عن الربيع بن خيثم أيضاً أنّه جاءه سائل في ليلة باردة ، فخرج إليه فرآه كأنّه مقرور قال : { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فنزع برتشاً له وأعطاه إياه وذكر أنّه كساه عروة .
وبلغنا أن زبيدة أم جعفر اتخذت مصحفاً في تسعين قطعة كتب بالذهب على الرق وجعلت ظهورها من الذهب مرصعة بالجواهر ، فبينما هي تقرأ القرآن ذات يوم فقرأت هذه الآية ، فلم يكن شيء أحبّ إليها من المصحف ، فقالت : عليَّ بالصاغة ، فأمرت بالذهب والجواهر حتى بيعت وأمرت حتى حفرت الآبار وأشرف الحياض بالبادية .
وقال أبو بكر الورّاق : دلّهم بهذه الآية على الفتوة ، وقال : لن تنالوا برّي بكم إلاّ ببرّكم أخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم وما تحبّون ، فإذا فعلتم ذلك نالكم برّي وعطفي .
{ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } : أي فإنّ الله يجازي عليه لأنّه إذا علمه جازى عليه ، وتأويل ( ما ) تأويل الشرط والجزاء وموضعها نصب لينفقوا ، المعنى : وأي شيء ينفقون فإنّ الله به عليم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.