{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِِ } الآية .
قال مجاهد : تفاخر المسلمون واليهود ، فقال اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ؛ لأنّها مهاجر الأنبياء في الأرض المقدسة ، وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } وقرأ ابن السميقع : وضع بفتح الواو والضاد يعني وضعه الله { لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } وليس ذلك في بيت المقدس { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } وليس ذلك في بيت المقدس { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وليس ذلك في بيت المقدس .
واختلف العلماء في تأويل قوله { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ } فقال بعضهم : هو أول بيت ظهر على وجه الماء عندما خلق الله السماء والأرض فخلقه الله قبل الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على الأرض فدحيت الأرض من تحتها ، هذا قول عبد الله بن عمرو ومجاهد وقتادة والسدي .
وقال بعضهم : هو أوّل بيت وضع : بُني في الأرض ، يروى أنّ علي بن الحسين سُئل عن بدء الطوفان ، فقال : إنّ الله تعالى وضع تحت العرش بيتاً وهو البيت المعمور الذي ذكره الله ، وقال للملائكة : طوفوا به ودعوا العرش ، فطافت الملائكة به وتركوا العرش ، وكان أهون عليهم ، ثم أمر الله الملائكة الذين يسكنون في الأرض أن يبنوا له في الأرض بيتاً على مثاله وقدره ، فبنوا ، واسمه الضراح ، وأمر من في الأرض من خلقه أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور .
وقيل : هو أول بيت بناه آدم في الأرض ، قاله ابن عباس .
وقال الضحاك : إنّ أول بيت وضع فيه البركة وأحسن من الفردوس الأعلى .
وروى سماك عن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي ( رضي الله عنه ) فقال : ألا تخبرني عن البيت ؟ أهو أول بيت كان في الأرض ؟ قال : لا ، فأين كان قوم نوح وعاد وثمود ، ولكنه أول بيت مبارك وهدىً وضع للناس .
وقيل : إنّ أول بيت وضع للناس يُحج إليه لله ، وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً ، وقيل : هو أول بيت جُعل قبلة للناس .
وقال الحسن والكلبي والفراء : معناه : إن أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد الله فيه ، يدل عليه قوله :
{ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } [ يونس : 87 ] يعني مساجدهم واجعلوا بيوتكم قبلة ، وقوله :
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } [ النور : 36 ] يعني المساجد .
إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه سُئل عن أول مسجد وضع للناس ، قال : " المسجد الحرام ثم بيت المقدس " ، وسُئل : كم بينهما قال : أربعون عاماً حيث ما أدركتك الصلاة فصلّ فثم سُجد للذي ببكة " .
قال الضحاك والمدرج : هي مكة ، والعرب تعاقب بين الباء والميم ، فتقول : سبد رأسه وسمد ، واغبطت عليه الحمى واغمطت ، وضربة لازم ولازب .
وقال ابن شهاب وضمرة بن ربيعة : بكة : المسجد والبيت ، ومكة : الحرم كله .
وقال الآخرون : مكة اسم البلد كله ، وبكة موضع البيت والمطاف ، وسمّيت بكة لأن الناس يتباكون فيها : أي يزدحمون ، يُبكي بعضهم بعضاً ، ويصلي بعضهم بين يدي بعض ، ويمر بعضهم بين يدي بعض ، لا يصلح ذلك إلاّ بمكة .
إذا الشريب أخذته أكه *** فخلّه حتى يبك بكه
قال عطاء : مرّت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت فدفعها ، فقال أبو جعفر الباقر : إنّها بكة يبكي بعضهم بعضاً .
وقال عبد الرحمن بن الزبير : سميت بكة لأنّها تُبك أعناق الجبابرة أي تدقها ، فلم يقصدها جبار يطلبها إلاّ وقصمه الله ، وأما مكة فسميت بذلك لقلة مائها من قول العرب : مكتَ الفصيل ضرع أُمّه وامتكّه إذا امتص كل ما فيه من اللبن ، قال الشاعر :
مكّتْ فلم تُبقِ في أجوافها دررا ***
عن الحسين عن ابن عباس قال : ما أعلم اليوم على وجه الأرض بلدة تُرفع فيها الحسنات بكل واحدة مائة ألف ما يرفع بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يُكتب لمن صلى فيها ركعة واحدة بمائة ألف ركعة ما يُكتب بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [ يُكتب لمن تصدّق فيها بدرهم ] واحد يكتب له مائة ألف درهم ما يُكتب بمكة ، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [ يُكتب ] لمن فيها شراب الأحبار ومصلى الأخيار إلاّ بمكة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس شيئاً أحد فيها إلاّ كانت تكفير الخطايا إلاّ بمكة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة إذا دعا فيها آمن له الملائكة فيقولون : آمين آمين ليس إلاّ بمكة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة [ . . . . . . . . ] إلاّ بمكة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن نظر إلى الكعبة من غير طواف ولا صلاة عبادة الدهر وصيام الدهر إلاّ بمكة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ورد إليها جميع النبيين [ ما قد ] صدر إلى مكة ، وما أعلم بلدة يحشر فيها من الأنبياء والأبرار والفقهاء والعباد من الرجال والنساء ما يحشرون من مكة أي يُحشرون وهم آمنون يوم القيامة ، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنّة ورائحتها ما ينزل بمكة حرسها الله .
{ مُبَارَكاً } : نصب على الحال { وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } : لأنه قبلة المؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.