الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٞ مِّنۡهُمۡۖ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتٗا} (66)

و{ كَتَبْنَا } : معناه فَرَضْنَا ، { أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ }[ النساء :66 ] معناه : يَقْتُلُ بعضُكم بعضاً ، وقد تقدَّم نظيره في «البقرة » ، وسببُ الآية ، على ما حُكيَ : أنَّ اليهود قالوا ، لَمَّا لم يَرْضَ المنافِقُ بحُكْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم : مَا رأَيْنَا أَسْخَفَ مِنْ هؤلاءِ يُؤْمنونَ بمحمَّد ، ثم لا يرضَوْنَ بحُكْمه ، ونحنُ قَدْ أمرنا بقَتْلٍ أَنْفُسِنا ، ففَعَلْنا ، وبَلَغَ القَتْلُ فينا سَبْعِينَ أَلْفاً ، فقَالَ ثابتُ بْنُ قَيْسٍ : لَوْ كُتِبَ ذلك علَيْنا لَفَعَلْنَاه ، فنزلَتِ الآية مُعْلِمَةً بحالِ أولئكَ المُنَافِقِينَ ، وأنه لو كُتِبَ ذلك علَى الأمَّة ، لم يَفْعَلُوهُ ، وما كان يَفْعَلُه إلا قليلٌ مؤمنُونَ محقِّقون ، كَثَابِتٍ .

قُلْتُ : وفي «العتبية » ، عن مالكٍ ، عن أبي بَكْر ( رضي اللَّه عنه ) نحْوُ مقالَةِ ثابِتِ بْنِ قيسٍ ، قال ابْنُ رُشْدٍ : ولا شَكَّ أنَّ أبا بَكْرٍ مِنَ القليلِ الذي استثنى اللَّهُ تعالى في الآية ، فلا أحد أحقُّ بهذه الصِّفَة منه ، انتهى .

قال ( ص ) : { إِلاَّ قَلِيلٌ } الجمهورُ بالرفْعِ ، على البَدَلِ من واو «فَعَلُوهُ » ، عند البصريِّين ، انتهى .

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي لو أنَّ هؤلاءِ المنافِقِينَ اتعظوا ، وأَنَابُوا ، لكان خَيْراً لَهم و{ تَثْبِيتاً } ، معناه : يقيناً وتصديقاً ، ونحو هذا ، أيْ : يثبِّتهم اللَّه .