الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (31)

{ قَدْ خَسِرَ } وكس وهلك { الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ } بالبعث بعد الموت { حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ } القيامة ، { بَغْتَةً } فجأة { قَالُواْ يحَسْرَتَنَا } ندامتنا { عَلَى مَا فَرَّطْنَا } قصرّنا { فِيهَا } في الطامة ، وقيل : تركنا في الدنيا من عمل الآخرة .

وقال محمد بن جرير : الهاء راجعة إلى الصفقة ، وذلك إنه لما تبين لهم خسران صفقتهم بيعهم الإيمان بالكفر والدنيا بالآخرة ، قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، أي في الصفقة فترك ذكر الصفقة كما يقول { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ } لأن الخسران لا يكون إلاّ في صفقة بيع .

قال السدي : يعني على ما ضيعنا من عمل الجنة ، يدل عليه ما روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : " يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون : يا حسرتنا " { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } آثامهم وأفعالهم .

قال أبو عبيد : يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع : إحمل وزرك ووزرتك واشتقاقه من الوزر الذي يعتصم به ولهذا قيل : وزر لأنّه كأنّه الذي يعتصم به الملك أو النبي ومنه قوله تعالى

{ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } [ طه : 29-30 ] { عَلَى ظُهُورِهِمْ } .

قال السدي وعمرو بن قيس الملائي : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيب ريحاً ، يقول : هل تعرفني ؟ يقول : لا ، إلاّ أن اللّه عز وجل قد طيب ريحك وحسّن صورتك ، فيقول : كذلك كتب في الدنيا أنا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا فاركبني اليوم أنت .

وقرأ { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] أي ركباناً ، فإن الكافر تستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا إلاّ أن اللّه عز وجل قد قبح صورتك وأنتن ريحك ، فيقول : لما كان عملك في الدنيا ، أنا عملك السيء طالما ركبتني في المساء فأنا أركبك اليوم وذلك قوله { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } .

قال الزجاج : لا يزر إليهم أوزارهم ، كما يقول الضحّاك : نصب عيني وذكرك محيي قلبي { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أي يحملون ويعملون