غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (31)

25

{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } أي ببلوغ الآخرة وثوابها وعقابها . عبر عن ذلك بلقاء الله لأنه لا حكم لأحد هناك إلا لله بخلاف الدنيا فإنه قد يظن أن للإنسان تصرفاً واختياراً وملكاً وملكاً . وحمل اللقاء على الرؤية أيضاً غير بعيد عند أهل السنة . و «حتى » غاية ل { كذبوا } لا ل { خسر } لأن خسرانهم لا غاية له أي لم يزل بهم التكذيب إلى تحسرهم وقت مجيء الساعة بل وقت موتهم ، فإن أمارات السعادة والشقاوة تلوح على صفحات أحوال المكلف من وقتئذ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من مات فقد قامت قيامته » وسمى يوم القيامة الساعة لسرعة الحساب فيه كأنه قيل : ما هو إلا ساعة الحساب ، أو لأنها تفجأ الناس في ساعة لا يعلمها إلا الله تعالى ولهذا قال { بغتة } أي فجأة . وانتصابها على الحال أي باغتة من بغته إذا فاجأه ، أو على المصدر العام أي بغتتهم الساعة بغتة أو الخاص لأن البغت نوع من المجيء { قالوا } عامل «إذ » { يا حسرتنا } مثل { يا ويلتي } [ الفرقان : 28 ] وقد مر مثله في سورة المائدة أي احضري فهذا وقتك { على ما فرّطنا } أصله يدل على الترك والهمزة في الإفراط لإزالة ذلك . وقولهم فرطت القوم أي سبقتهم إلى الماء ، معناه تركتهم من ورائي حتى حصل لي التقدم . أما الضمير في { فيها } فقال ابن عباس : أي في الدنيا وإن لم يجر لها ذكر في الآية بدلالة العقل لأن موضع التقصير هو الدنيا . وقال الحسن : أي في وقت الساعة على معنى قصرنا في شأنها والإيمان بها وإعداد الزاد وتحصيل الأهبة لها . وقال محمد بن جرير الطبري : يعود إلى الصفقة والمبايعة بدلالة ذكر الخسران . وقيل : إلى ما فيما فرطنا أي يا حسرتنا على الأعمال والطاعات التي تركناها وقصرنا فيها . ثم بين تضاعف خسرانهم بأنهم لم يحصلوا لأنفسهم مواجب الثواب ولكن حصلوا مواجب العقاب فقال { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } هي الآثام والخطايا . وأصل الوزر الثقل ومنه الوزير لأنه يحمل ثقل صاحبه . والوزر الملجأ لأنه يدفع عنه ما أصابه فكأنه حمله . أما كيفية حملهم الأوزار فقال في الكشاف : إنه مجاز عن حصولها لهم كقوله { فبما كسبت أيديكم }

[ الشورى : 30 ] لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور كما ألف الكسب بالأيدي . وقال الزجاج : الثقل قد يذكر في الحال والصفة . ثقل عليّ خطاب فلان أي كرهته ، فالمعنى أنهم يقاسون عذاب ذنوبهم مقاساة ثقل ذلك عليهم . وقيل : هو كقولك : شخصك نصب عيني أي ذكرك ملازم لي . وقال جمع من المفسرين : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أحسن الأشياء صورة وأطيبها ريحاً فيقول : أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم فذلك قوله

{ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } [ مريم : 85 ] قالوا ركباناً وإن الكافر إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أقبح الأشياء صورة وأخبثها ريحاً فيقول : أنا عملك الفاسد طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم قاله قتادة والسدي . { ألا ساء ما يزرون } بئس شيئاً يزرون وزرهم .

/خ37