الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (31)

قوله : { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } الآية [ 32 ] .

المعنى : قد وُكس{[19614]} فيه بيعه من باع الإيمان بالكفر{[19615]} . وقيل : المعنى : ( قد خسروا أعمالهم وثوابها ){[19616]} .

ومعنى لقاء الله هنا : أنه البعث والنشور اللذان{[19617]} عندهما يكون لقاء الله والمصير إليه{[19618]} .

ويجوز أن يكون معناه : كذبوا بلقاء ثوابه وعقابه{[19619]}( وقد قيل ){[19620]} في قوله تعالى : { فلا تكن{[19621]} في مرية لقائه }{[19622]} أي : في شك من لقاء موسى ربه وتكليمه له - ، ولا يكون اللقاء في هذه الآية النظر إلى الله جل ذكره ، لأنهم لم يؤمنوا بالبعث ، فضلا عن النظر إليه ، وإذا لم يؤمنوا بالبعث ، فأحرى ألا يؤمنوا بالنظر ، لأن البعث يؤدي إلى النظر إلى الله تعالى ذكره ، يراه{[19623]} المؤمنون{[19624]} يوم القيامة .

وقد يكون اللقاء بمعنى القرب والنظر في غير هذا .

ويكون اللقاء بمعنى السبب{[19625]} الذي يؤدي إلى اللقاء ، مثل هذه الآية ، ومنه قولهم : ( الله بارك لنا في لقائك ) ، يراد به : بارك لنا في الموت الذي يؤدي إلى البعث الذي فيه لقاؤك ، وقال الله : { من كان يرجوا لقاء الله{[19626]} }{[19627]} أي : يخاف الموت .

و{ بغتة }{[19628]} نصب على الحال ، وهو مصدر في موضع الحال عند سيبويه ، ولا يقاس عليه غيره{[19629]} .

قوله : { يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } : هذا ( حين ){[19630]} يرى أهل النار منازلهم من الجنة لو عملوا بعمل أهل الجنة ، فيندمون على التفريط /{[19631]} في الدنيا ، فيقولون : { يا حسرتنا } أي : تعال يا حسرة{[19632]} ، فهذا وقتُك وإبّانُكِ .

والهاء في ( فيها ) عائد على الصفقة ، وهي التي ذكرت قبل في قوله : { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } أي : خسروا ببيعهم{[19633]} الإيمان بالضلالة ، ومنازلهم في الجنة بمنازلهم{[19634]} في النار ، فإذا جاءتهم{[19635]} الساعة ، تبين لهم خسران بيعهم{[19636]} ، وندموا في صفقتهم فقالوا : { يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } أي : في الصفقة{[19637]} .

ويجوز أن تعود الهاء على { الدنيا }{[19638]} ، لأن فيها كان تفريطهم{[19639]} .

وقوله : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } أي : ( آثامهم وذنوبهم ){[19640]} . وخص ( الظهر ) ، لأن الحمل قد يكون على غيره{[19641]} .

وروي عن عمرو{[19642]} بن القيس المُلائي{[19643]} أن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله{[19644]} أحسن شيء صورة ، وأطيبُه ريحا ، فيقول : هل تعرفني ؟ ، فيقول : لا ، إلا أن الله قد طيّب ريحك وحسّن صورتك . فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك الصالح ، طال ما ركبتك في الدنيا{[19645]} ، فاركبني ، أنت اليوم ، وتلا { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }{[19646]} .

( وإن ){[19647]} الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا ، فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول لا ، إلا أن الله قد قبح صورتك ونتن{[19648]} ريحك . فيقول : كذا{[19649]} كنت في الدنيا ، أنا عملك السيء طال ما ركبتني في الدنيا ، فأنا اليوم أركبك . وتلا { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }{[19650]} . ورواه أبو هريرة عن النبي عليه السلام بهذا المعنى ، واللفظ مختلف .

وقال السدي : ( قوله ){[19651]} : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } : ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره{[19652]} ، إلاّ جاءه{[19653]} رجل قبيح الوجه ، أسود اللون منتن الريح ، عليه ثياب دَنِسَة{[19654]} حتى يدخل معه في قبره . فإذا رآه{[19655]} قال له : ما أقبح وجهك ! ، قال : كذلك كان عملك قبيحا . قال : ما أنتن ريحك ! ، قال : ( كذلك كان ){[19656]} عملك منتنا . قال : ما أدنس ثيابك ! ( قال كذلك ){[19657]} كان عملك دنسا . قال : من أنت ؟ قال : أنا عملك . فيكون معه في قبره . فإذا بعث يوم القيامة قال : إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات ، وأنت اليوم تحملني . قال : فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار ، فذلك قوله : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }{[19658]} .

وروى المقبرة{[19659]} عن أبي هريرة{[19660]} في حديث يرفعه قال : إذا كان يوم القيامة ، بعث الله مع كل امرئ مؤمن عمله ، ويبعث{[19661]} مع الكافر عمله فلا يرى المؤمن شيئا يروعه ولا شيئا يفزعه ولا يخافه إلا قال له عمله : ( أبشر بالذي يسرك ، فإنك لست بالذي يراد بهذا ) . ولا يرى الكافر شيئا يفزعه ولا يروعه ولا يخافه إلا قال له عمله : ( أبشر يا عدو الله بالذي يسوءك ، فوالله ( إنك ){[19662]} لأنت الذي ( يراد بهذا ) ){[19663]} .

وقوله : { ألا ساء ما يزرون } معناه : بئس الشيء يحملون{[19664]} .


[19614]:ب: وكسر.
[19615]:انظر: تفسير الطبري 11/324.
[19616]:ج د: ثوابهم. إعراب النحاس 1/543.
[19617]:ب: أللذن.
[19618]:انظر: المحرر الوجيز 6/35، وأحكام القرطبي 6/411.
[19619]:انظر: أحكام القرطبي 6/411، وتفسير البحر 4/106.
[19620]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: جلت عظمته قبل.
[19621]:ب ج د: تك.
[19622]:السجدة آية 23.
[19623]:ب: برات.
[19624]:د: المومن.
[19625]:ب: السبب.
[19626]:ج د: ربه.
[19627]:العنكبوت آية 4.
[19628]:د: بغتته.
[19629]:انظر: الكتاب 1/370، 371، وإعراب النحاس 1/543، وإعراب مكي 250، وإعراب ابن الأنباري 1/318.
[19630]:ب: حيز. ساقطة من ج د.
[19631]:كلها مطموسة إلا نادرا مع بعض الخرم.
[19632]:ج د: حسرتنا. وانظر: حديثا لرسول الله في هذا المعنى في تفسير الطبري 11/326.
[19633]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: في بيعتهم.
[19634]:د: بمنازالهم.
[19635]:د: جاءنهم.
[19636]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: بيعتهم.
[19637]:انظر: تفسير الطبري 11/325.
[19638]:الأنعام آية 30.
[19639]:انظر: المحرر الوجيز 6/36، والتفسير الكبير 12/198، وتفسير البحر 4/107.
[19640]:انظر: تفسير الطبري 11/326، وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/190، ومعاني الزجاج 2/242.
[19641]:انظر: تفسير الطبري 11/327، والدر 263.
[19642]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج د: عمر.
[19643]:مخرومة في أ. ب: الملامي. ج د: الملامي. وانظر: تفسير الطبري 11/327. وهو أبو عبد الله عمرو بن قيس الملائي – بضم الميم وتخفيف – ثقة متقن عابد، توفي سنة بضع وأربعين. انظر: التقريب 2/77.
[19644]:ب: استعمله.
[19645]:ب ج د: الدنيا طيبا.
[19646]:مريم آية 86.
[19647]:مخرومة في أ. ب:فان.
[19648]:مطموسة في أ. ب ج د: نثن. وفي تفسير الطبري 11/327: أنتن.
[19649]:د: كذ.
[19650]:انظر: تفسير الطبري 11/327، والدر 3/263.
[19651]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ساقطة من ج د: قولوا.
[19652]:ج: خبره.
[19653]:ب: جاء.
[19654]:ج: دنست.
[19655]:ب: رواه.
[19656]:ب: كان كذلك.
[19657]:ب: ذلك.
[19658]:انظر: تفسير الطبري 11/328، وتفسير ابن كثير 2/133، والدر 3/262، 263.
[19659]:هو أبو سعيد كيسان المقبري المدني، تابعي، ثقة، كثير الحديث، لم يعرف نسبه، لأنه كان من الموالي، توفي سنة 100 هـ. انظر: التهذيب 8/453، والأعلام 5/237.
[19660]:ب: سريرة.
[19661]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ج د: بعث.
[19662]:ساقطة من ج.
[19663]:ب: تراد به كذا.
[19664]:انظر: تفسير الطبري 11/328.