فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ} (31)

قوله : { قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله } هم الذين تقدّم ذكرهم . والمراد من تكذيبهم بلقاء الله تكذيبهم بالبعث ، وقيل تكذيبهم بالجزاء . والأوّل أولى ، لأنهم الذين قالوا قريباً : { إِنْ هِي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } { حتى إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة بَغْتَةً } أي القيامة ، وسميت ساعة لسرعة الحساب فيها . ومعنى بغتة : فجأة ، يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتاً وبغتة . قال سيبويه : وهي مصدر في موضع الحال ، قال : ولا يجوز أن يقاس عليه ، فلا يقال : جاء فلان سرعة ، و { حتى } غاية للتكذيب لا للخسران ، فإنه لا غاية له { قَالُواْ يا حسرتنا } هذا جواب { إذا جاءتهم } أوقعوا النداء على الحسرة ، وليست بمنادى في الحقيقة ليدلّ ذلك على كثرة تحسرهم . والمعنى : يا حسرتنا احضري ، فهذا أوانك ، كذا قال سيبويه في هذا النداء وأمثاله ، كقولهم : يا للعجب ويا للرجل . وقيل : هو تنبيه للناس على عظم ما يحلّ بهم من الحسرة ، كأنهم قالوا : يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بنا من الحسرة ، والحسرة : الندم الشديد { على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } أي على تفريطنا في الساعة ، أي في الاعتداد لها ، والاحتفال بشأنها ، والتصديق بها . ومعنى فرّطنا ضيعنا ، وأصله التقدّم ، يقال فرط فلان : أي تقدّم وسبق إلى الماء ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " وأنا فرطكم على الحوض " ، ومنه الفارط : أي المتقدم فكأنهم أرادوا بقولهم : { على مَا فَرَّطْنَا } أي على ما قدّمنا من عجزنا عن التصديق بالساعة والاعتداد لها ، وقال ابن جرير الطبري : إن الضمير في { فرّطنا فيها } يرجع إلى الصفقة ، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر ، والدنيا بالآخرة { قَالُواْ يا حسرتنا على مَا فَرَّطْنَا } في صفقتنا ، وإن لم تذكر في الكلام ، فهو دالّ عليها ؛ لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة . وقيل الضمير راجع إلى الحياة : أي على ما فرّطنا في حياتنا .

قوله : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } هذه الجملة حالية ، أي يقولون تلك المقالة ، والحال أنهم : { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } أي ذنوبهم ، جمع وزر : يقال : وزر يزر ، فهو وازر وموزور ، وأصله من الوزر . قال أبو عبيدة : يقال للرجال إذا بسط ثوبه ، فجعل فيه المتاع : احمل وزرك ، أي ثقلك ، ومنه الوزير ، لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية . والمعنى : أنها لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها ، وجعلها محمولة على الظهور تمثيل { أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } أي بئس ما يحملون .

/خ36