الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (1)

مقدمة السورة:

مدنيّة ، وهي ثلاثمائة وتسعة وتسعون حرفاً ، وأربع وتسعون كلمة ، وثماني آيات .

أخبرنا السلمي والخبازي قالا : أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن موسى بن النعمان قال : حدّثنا فهد بن سليمان قال : حدّثنا إسحاق بن بشير قال : حدّثنا مالك بن أنس ، عن محمد بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي الهاد قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) : " ( لو يعلم الناس ما في ) { الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ( لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها ) ، فقال رجل من خزاعة : ما فيها من الأجر يا رسول اللّه ؟ قال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " لا يقرأها منافق أبداً ولا رجل في قلبه شكّ في الله عزّوجل ، والله إن الملائكة المقرّبين ليقرأونها منذ خلق اللّه السماوات والأرض لا يفترون من قراءتها ، وما من عبد يقرأها بليل إلاّ بعث اللّه سبحانه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ، ويدعون اللّه له بالمغفرة والرحمة ، فإنْ قرأها نهاراً أُعطيّ عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار وأظلم عليه الليل ) .

فقال رجل من قيس عيلان : زدنا من هذا الحديث فداك أبي وأُمّي يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) : " ( تعلّموا ) عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، ( وتعلّموا ) ق وَالقُرْآنِ المَجِيدِ ، ( وتعلّموا ) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ ، ( وتعلّموا ) وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ، ( وإنّكم لو تعلمون ما فيهن لعطّلتم ما أنتم فيه وتعلّمتموهنّ وتقرّبتم إلى اللّه سبحانه بهنّ ، فإن اللّه يغفر بهنّ كل ذنب إلاّ الشرك باللّه .

واعلموا أنّ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ ) ( تجادل عن صاحبها ) ، وتستغفر له من الذنوب ) .

وأخبرني الخبازي قال : حدّثنا ظفران قال : حدّثنا بن أبي داود قال : حدّثنا محمد بن عاصم قال : حدّثنا شبابة بن سوار قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد ، عن علي بن زيد ، عن زر ، عن أُبيّ قال : قال رسول اللّه ( عليه السلام ) : " ( من قرأ سورة ) لَمْ يَكُنْ ( كان يوم القيامة مع خير البرية مسافراً أو مقيماً ) " .

وأخبرني الحسين قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن علي قال : حدّثنا أبو يعلى الموصلي قال : حدّثنا محمد بن المثنى قال : حدّثنا عبد ربّه قال : حدّثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدّث ، عن أنس قال : قال رسول اللّه ( عليه السلام ) لأُبيّ بن كعب : " ( إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أقرأ عليك ) ( لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال : وسمّاني ؟ قال : ( نعم ) ، فبكى .

{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى والمشركون -وهم عبدة الأوثان- { مُنفَكِّينَ } منتهين عن كفرهم وشركهم ، وقال أهل اللغة : زائلين ، يقول العرب : ما انفكّ فلان يفعل كذا ، أي ما زال ، وأصل الفكّ الفتح ، ومنه فكّ الكتاب ، وفكّ الخلخال ، وفكّ البيالم - وهي خورنق العطر- ، قال طرفة :

وآليت لا ينفك كشحي بطانة *** لعضب رقيق الشفرتين منهد

{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الحجّة الواضحة ، وهي محمد ( عليه السلام ) أتاهم بالقرآن فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم ، وهداهم إلى الإيمان ، وقال ابن كيسان : معناه لم يكن هؤلاء الكفار تاركين صفة محمد ( عليه السلام ) حتى بعث ، فلمّا بعث تفرّقوا فيه .