جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَانطَلَقَا حَتّىَ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } .

يقول تعالى ذكره : فانطلق موسى والعالم حَتّى إذَا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعمَا أهْلَها من الطعام فلم يطعموهما واستضافاهم فَأبَوْا أن يُضَيّفُوهُما فَوَجَدَا فِيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ يقول : وجدا في القرية حائطا يريد أن يسقط ويقع يقال منه : انقضّت الدار : إذا انهدمت وسقطت ومنه انقضاض الكوكب ، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه ومنه قول ذي الرّمة :

*** فانْقَضّ كالكَوْكَبِ الدّرّي مُنْصَلِتا ***

وقد رُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأ ذلك : «يُرِيدُ أنْ يَنْقاضّ » .

وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب إذا قرىء ذلك كذلك في معناه ، فقال بعض أهل البصرة منهم : مجاز ينقاضّ : أي ينقلع من أصله ، ويتصدّع ، بمنزلة قولهم : قد انقاضت السنّ : أي تصدّعت ، وتصدّعت من أصلها ، يقال : فراق كقبض السنّ : أي لا يجتمع أهله . وقال بعض أهل الكوفة منهم : الانقياض : الشقّ في طول الحائط في طيّ البئر وفي سنّ الرجل ، يقال : قد انقاضت سنة : إذا انشقّت طولاً . وقيل : إن القرية التي استطعم أهلها موسى وصاحبه ، فأبوا أن يضيفوهما : الاَية . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : حدثنا عمران بن المعتمر صاحب الكرابيسي ، قال : حدثنا حماد أبو صالح ، عن محمد بن سيرين ، قال : انتابوا الأيلة ، فإنه قلّ من يأتيها فيرجع منها خائبا ، وهي الأرض التي أبوا أن يضيفوهما ، وهي أبعد أرض الله من السماء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فانْطَلَقا حتى إذَا أتيَا أهْلَ قَرْيَةٍ ، وتلا إلى قوله لاتّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا شرّ القرى التي لا تُضِيف الضيف ، ولا تعرف لابن السبيل حقه .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قول الله عزّ وجلّ يَرِيدُ أنْ يَنْقَضّ فقال بعض أهل البصرة : ليس للحائط إرادة ولا للمَوَات ، ولكنه إذا كان في هذه الحال من رثة فهو إرادته . وهذا كقول العرب في غيره :

يُرِيدُ الرّمْحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ *** وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءه بَنِي عُقَيْلِ

وقال آخر منهم : إنما كلم القوم بما يعقلون ، قال : وذلك لما دنا من الانقضاض ، جاز أن يقول : يريد أن ينقضّ ، قال : ومثله تَكادُ السّمَواتُ يَتَفَطّرْنَ وقولهم : إني لأكاد أطير من الفرح ، وأنت لم تقرب من ذلك ، ولم تهمّ به ، ولكن لعظيم الأمر عندك . وقال بعض الكوفيين منهم : من كلام العرب أن يقولوا : الجدار يريد أن يسقط قال : ومثله من قول العرب قول الشاعر :

إنّ دهْرا يَلُفّ شَمِلي بِجُمْلٍ *** لَزَمانٌ يَهُمّ بالإِحْسانِ

وقول الاَخر :

يَشْكُو إليّ جَمَلِي طُولَ السّرَى *** صَبْرا جَمِيلاً فَكِلانا مُبْتَلَى

قال : والجمل لم يشك ، إنما تكلّم به على أنه لو تكلم لقال ذلك قال : وكذلك قول عنترة :

وَازْوَرّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبانِهِ *** وشَكا إليّ بعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ

قال : ومنه قول الله عزّ وجلّ : ولَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ والغضب لا يسكت ، وإنما يسكت صاحبه . وإنما معناه : سكن . وقوله : فَإذَا عَزَمَ الأَمْرُ إنما يعزم أهله . وقال آخر منهم : هذا من أفصح كلام العرب ، وقال : إما إرادة الجدار : ميله ، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «لا تَرَاءى نارَاهُما » وإنما هو أن تكون ناران كلّ واحدة من صاحبتها بموضع لو قام فيه إنسان رأى الأخرى في القُرب قال : وهو كقول الله عزّ وجلّ في الأصنام : وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ قال : والعرب تقول : داري تنظر إلى دار فلان ، تعني : قرب ما بينهما واستشهد بقول ذي الرّمّة في وصفه حوضا أو منزلاً دارسا :

*** قَدْ كادَ أوْ قَدْ هَمّ بالبُيُودِ ***

قال : فجعله يهمّ ، وإنما معناه : أنه قد تغير للبلى . والذي نقول به في ذلك أن الله عزّ ذكره بلطفه ، جعل الكلام بين خلقه رحمة منه بهم ، ليبين بعضهم لبعض عما في ضمائرهم . مما لا تحسّه أبصارهم ، وقد عقلت العرب معنى القائل :

فِي مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هاماتُها *** قَلَقَ الفُؤُوسِ إذَا أرَدْنَ نُصُولا

وفهمت أن الفؤوس لا توصف به بنو آدم من ضمائر الصدور مع وصفها إياهما بأنها تريد . وعلمت ما يريد القائل بقوله :

كمِثْلِ هَيْلِ النّقا طافَ المُشاةُ بِهِ *** يَنْهالُ حِينا ويَنْهاهُ الثّرَى حِينا

وإنما لم يرد أن الثرى نطق ، ولكنه أراد به أنه تلبّد بالندى ، فمنعه من الانهيال ، فكان منعه إياه من ذلك كالنهي من ذوي المنطق فلا ينهال . وكذلك قوله : جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقُضّ قد علمت أن معناه : قد قارب من أن يقع أو يسقط ، وإنما خاطب جلّ ثناؤه بالقرآن من أنزل الوحي بلسانه ، وقد عقلوا ما عنى به وإن استعجم عن فهمه ذوو البلادة والعمى ، وضلّ فيه ذوو الجهالة والغبا .

وقوله : فَأقامَهُ ذكر عن ابن عباس أنه قال : هدمه ثم قعد يبنيه .

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عُمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وقال آخرون في ذلك ما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير فوجدا فيها جِدَارا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضّ قال : رفع الجدار بيده فاستقام .

والصواب من القول في ذلك أن يُقال : إن الله عزّ ذكره أخبر أن صاحب موسى وموسى وجدا جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه صاحب موسى ، بمعنى : عَدَل مَيَله حتى عاد مستويا . وجائز أن يكون كان ذلك بإصلاح بعد هدم . وجائز أن يكون كان برفع منه له بيده ، فاستوى بقدرة الله ، وزال عنه مَيْلُه بلطفه ، ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر للعذر قاطع بأيّ ذلك كان من أيّ .

وقوله : قالَ لَوْ شِئْتَ لتّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا يقول : قال موسى لصاحبه : لو شئت لم تقم لهؤلاء القوم جدارهم حتى يعطوك على إقامتك أجرا ، فقال بعضهم : إنما عَنَى موسى بالأجر الذي قال له لَوْ شِئْتَ لتّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا القِرى : أي حتى يَقْرُونا ، فإنهم قد أبوا أن يضّيفونا .

وقال آخرون : بل عنى بذلك العِوَض والجزاء على إقامته الحائط المائل .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة لَوْ شِئْتَ لاتّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا على التوجيه منهم له إلى أنه لافتعلت من الأخذ . وقرأ ذلك بعض أهل البصرة «لَوْ شَئِتَ لَتَخِذْتَ » بتخفيف التاء وكسر الخاء ، وأصله : لافتعلت ، غير أنهم جعلوا التاء كأنهم من أصل الكلمة ، ولأن الكلام عندهم في فعل ويفعل من ذلك : تخِذ فلان كذا يَتْخَذُهُ تَخْذا ، وهي لغة فيما ذكر لهُذَيل . وقال بعض الشعراء :

وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْبِ غَرْزِها *** نَسِيفا كأُفُحُوصِ القَطاةِ المُطَرّقِ

والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أني أختار قراءته بتشديد التاء على لافتعلت ، لأنها أفصح اللغتين وأشهرهما ، وأكثرهما على ألسن العرب .

مريمتابع : تفسير سورة الكهف

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرٗا} (77)

وقوله : { فانطلقا } يريد انطلق الخضر وموسى يمشيان لارتياد الخضر أمراً ينفذ فيه ما عنده من علم الله فمرا بقرية فطلبا من أهلها أن يطعموهما فأبوا ، وفي حديث : أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم ، وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله ، واختلف الناس في «القرية » : فقال محمد بن سيرين هي الأبلة . وهي أبخل قرية وأبعدها من السماء ، وقالت فرقة هي أنطاكية ، وقالت فرقة هي برقة ، وقالت فرقة هي بجزيرة الأندلس ، روي ذلك عن أبي هريرة وغيره ، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء ، وقالت فرقة هي أبو حوران ، وهي بناحية أذربيجان .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله بحسب الخلاف في أي ناحية من الأرض كانت قصة موسى والله أعلم بحقيقة ذلك ، وقرأ الجمهور «يضَيّفوهما » بفتح الضاد وشد الياء ، وقرأ أبو رجاء «يضيفوهما » ، بكسر الضاد وسكون الياء وهي قراءة ابن محيصن ، وابن الزبير ، والحسن وأبي رزين ، والضيف مأخوذ من ضاف إلى المكان إذا مال إليه ، ومنه الإضافة ، وهي إمالة شيء إلى شيء ، وقرأ الأعمش «فأبوا أن يطعموهما » ، وقوله في الجدار { يريد } استعارة ، وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق متى أسندت إلى جماد أو بهيمة فإنما هي استعارة ، أي لو كان مكان الجماد إنسان لكان ممتثلاً لذلك الفعل ، فمن ذلك قول الأعشى : [ البسيط ]

أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط . . . كالطعن يذهب فيه الزيت والقتل

فأسند النهي إلى الطعن . ومن ذلك قول الشاعر : [ الوافر ]

يريد الرمح صدر أبي براء . . . ويرغب عن دماء بني عقيل{[7860]}

ومنه قول عنترة : [ الكامل ]

وشكا إلي بعبرة وتحمحم . . . وقد فسر هذا المعنى بقوله لو كان يدري ما المحاورة البيت{[7861]} ، ومنه قول الناس : داري تنظر إلى دار فلان{[7862]} ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ، لا تتراءى نارهما{[7863]} ، وهذا كثير جداً . وقرأ الجمهور «ينقض » أي يسقط ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه «أن يُنقض » بضم الميم وتخفيف الضاد وهي قراءة أبي ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرمة «أن يناقص » ، بالصاد غير منقوطة بمعنى ينشق طولاً ، يقال انقاص الجدار وطي البير ، وانقاصت السن ، إذا انشقت طولاً ، وقيل إذا تصدعت كيف كان ، ومنه قول أبي ذؤيب : [ الطويل ]

فراق كقيص السن فالصبر انه . . . لكل أناس عبرة وحبور

ويروى عثرة وجبور بالثاء والجيم ، وقرأ ابن مسعود والأعمش «يريد لينقض » واختلف المفسرون في قوله { فأقامه } فقالت فرقة هدمه وقعد يبنيه ، ووقع هذا في مصحف ابن مسعود ، ويؤيد هذا التأويل قول ، { لو شئت لتخذت عليه أجراً } لأنه فعل يستحق أجراً ، وقال سعيد بن جبير مسحه بيده وأقامه فقام .

قال القاضي أبو محمد : وروي في هذا الحديث وهو الأشبه بأفعال الأنبياء عليهم السلام فقال موسى للخضر : { لو شئت لتخذت عليه أجراً } أي طعاماً تأكله ، وقرأ الجمهور «لتخذت » وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «لتخذت » وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة وأدغم بعض القراء الذال في التاء ، ولم يدغمها بعضهم{[7864]} ، ومن قولهم تخذ قول الشاعر : [ المزق ] : [ الطويل ]

وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها . . . نسيقاً كأفحوص القطاة المطرق{[7865]}

وفي حرف أبي بن كعب : «لو شئت لأوتيت عليه أجراً » .


[7860]:البيت في اللسان (رود) غير منسوب، قال: "وقوله عز وجل": {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه}، أي أقامه الخضر، وقال: (يريد) والإرادة إنما تكون من الحيوان، والجدار لا يريد إرادة حقيقية؛ لأن تهيؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أفعال المريدين، فوصف الجدار بالإرادة إذ كانت الصورتان واحدة، ومثل هذا كثير في الشعر واللغة، قال الراعي: في مهمه قلقت به هاماتها قلق الفؤوس إذا أردن نضولا وقال آخر: يريد الرمح صدر أبي براء... البيت". والبيت أيضا من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، وقد نسبه للحارثي، قال: "ليس للحائط إرادة ولا للموت، ولكنه إذا كان في هذه الحال من رثة فهي إرادته، وهذا قول العرب في غيره، قال الحارثي: يريد الرمح ... البيت". و ما يقال عن إسناد الإرادة للرمح يقال عن إسناد الرغبة عن الشيء إليه أيضا، والرغبة عن الشيء: تركه والزهد فيه، أما الرغبة فيه فهي الحرص عليه والطمع فيه.
[7861]:استشهد ابن عطية بعجز بيت من الشعر قاله عنترة بن شداد، ثم وضح كلامه بصدر البيت التالي، والبيتان عليه والطمع فيه. فازور من وقع القنا بلبانـــــــــــــه وشكا إلي بعبرة وتحمحـــم لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي وهو يتحدث عن فرسه الذي شارك معه في الهجوم على الأعداء، وتلقى كثيرا من الهجمات والضربات. والازورار: الميل، والقنا: جمع قناة، وهي الرمح، واللبان: صدر الفرس، والتحمحم: صوت الفرس المنخفض إذا كان فيه شجن الحنين ليرق له صاحبه، يقول: مال فرسي من رماح الأعداء التي أصابت صدره، ونظر إلي وحمحم لأرق له وأرحمه من هذه الضربات، ولو كان يعلم لغة الخطاب والكلام لاستكى إلي وعبر عن آلامه بحديث واضح مفهوم. وإسناد هذه الأفعال إلى الفرس تجوز.
[7862]:أي تقع أمامها وتشاهدها، فقد أسند النظر إلى الدار وهي جماد على سبيل المجاز.
[7863]:هذا جزء من حديث أخرجه أبو داود في الجهاد، والنسائي في القسامة. والحديث كاملا: (أنا بريء من كل مسلم مع مشرك، قيل: لم يا رسول الله؟ قال: لا تراءى نارهما)، قال ابن الأثير في شرح هذا الحديث: "أي: يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله"، والترائي: تفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا، وإسناد الترائي إلى النار مجاز، يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟ والأصل في (تراءى) تتراءى، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا" اهـ. بتصرف.
[7864]:قال ابن خالويه: "الحجة لمن قرأ بفتح التاء وكسر الخاء وإظهار الذال أنه أخذه من : تخذ يتخذ، كما تقول: شرب يشرب، فأتي بالكلام على أصله مبينا غير مدغم. والحجة لمن قرأ بذلك وأدغم مقاربة الذال للتاء لأن مخرجهما من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، والحجة لمن قرأ بألف الوصل أن وزنه افتعلت، من الأخذ، وأصله: إيتخذت ؛ لأن همزة الوصل تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب تاء وتدغم في تاء افتعلت فتصيران تاء شديدة". انتهى بتصرف وزيادة إيضاح.
[7865]:البيت للممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار، من عبد القيس، وهو ابن أخت المثقب العبدي ولقب بالممزق لقوله: فإن كنت مأكولا فكن خير آكـــــل وإلا فأدركني ولمـــا أمـــــزق والممزق بفتح الزاي وكسرها، قال ذلك في اللسان. والبيت من القصيدة التي منها بيته الذي ذكرناه، وهو في اللسان، ومن شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن)، وتخذ من باب فرح، يقال في المضارع يتخذ كيفرح، كما قال ابن خالويه في الهامش السابق. وهي موضع الاستشهاد، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل، وهو ما يضع الراكب قدمه فيه عند الركوب، والنسيف: أثر عض الغرز في جنب الناقة من عضة أو تساقط وبر، والقطاة: طائر صغير من نوع اليمام يؤثر الحياة في الصحراء، ويتخذ أفحوصة في الأرض، ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مرقط، والأفحوص هو الحفرة التي يحفرها في الأرض ليضع بيضه فيها ويرقد عليه، وهي تناسب حجمه، والمطرق: التي خرج منها نصف ولدها ثم نشب ـ إذا كانت امرأة ـ أو بيضهاـ إذا كانت طائرا، يصف القطاة بأنها كالمرأة المطرق، وقيل: تطريق القطاة أن تتخذ الأفحوص للبيض.