جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

القول في تفسير السورة التي يذكر فيها يونس صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمَن الرحيم

تأويل قوله تعالى : { الَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } .

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : تأويله أنا الله أرى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يحيى بن داود بن ميمون الواسطي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، في قوله : الر : أنا الله أرى .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى عن ابن عباس ، قوله : الر قال : أنا الله أرى .

وقال آخرون : هي حروف من اسم الله الذي هو الرحمن . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا عليّ بن الحسين ، قال : ثني أبي ، عن يزيد ، عن عكرمة عن ابن عباس : «الر ، وحم ، ونون » حروف الرحمن مقطعة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عيسى بن عبيد عن الحسين بن عثمان ، قال : ذكر سالم بن عبد الله : «الر ، وحم ونون » فقال : اسم الرحمن مقطع . ثم قال : الرحمن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبي حماد ، قال : حدثنا مندل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : «الر ، وحم ، ونون » هو اسم الرحمن .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد بن عمرو الكلبي ، عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن عامر أنه سئل عن : «الر ، وحم ، وص » قال : هي أسماء الله مقطعة بالهجاء ، فإذا وصلتها كانت اسما من أسماء الله تعالى .

وقال آخرون : هي اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : الر اسم من أسماء القرآن .

وقد ذكرنا اختلاف الناس وما إليه ذهب كلّ قائل في الذي قال فيه ، وما الصواب لدينا من القول في ذلك في نظيره ، وذلك في أوّل سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وإنما ذكرنا في هذا الموضع القدر الذي ذكرنا لمخالفة من ذكرنا قوله في هذا قول في الم ، فأما الذين وفقوا بين معاني جميع ذلك ، فقد ذكرنا قولهم هناك مكتفيا عن الإعادة ههنا .

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ .

واختلف في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تلك آيات التوراة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ قال : التوراة والإنجيل .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة : تِلْكَ آياتُ الكِتابِ قال : الكتب التي كانت قبل القرآن .

وقال آخرون : معنى ذلك : هذه آيات القرآن .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله : هذه آيات القرآن ، ووجه معنى «تلك » إلى معنى «هذه » ، وقد بيّنا وجه توجيه تلك إلى هذا المعنى في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته . والاَيات الأعلام ، والكتاب اسم من أسماء القرآن ، وقد بيّنا كلّ ذلك فيما مضى قبل .

وإنما قلنا هذا التأويل أولى في ذلك بالصواب ، لأنه لم يجيءْ للتوراة والإنجيل قبل ذكر ولا تلاوة بعده فيوجه إليه الخبر ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : والرحمن هذه آيات القرآن الحكيم . ومعنى «الحكيم » في هذا الموضع : «المحكم » صرف مفعل إلى فعيل ، كما قيل عذاب أليم ، بمعنى مؤلم ، وكما قال الشاعر :

*** أمنْ رَيحانةَ الدّاعي السّميعُ ***

وقد بيّنا ذلك في غير موضع من الكتاب . فمعناه إذا : تلك آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبيّنه لعباده ، كما قال جلّ ثناؤه : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ .