المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .

سورة يونس . هذه السورة هي مكية قال مقاتل إلا آيتين وهي{[1]} قوله تعالى' { فإن كنت في شك } ' نزلت بالمدينة وقال الكلبي هي مكية إلا قوله ' { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به } '{[2]} نزلت في اليهود بالمدينة . وقالت فرقة نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة .

تقدم في أول سورة البقرة ذكر الاختلاف في فواتح السور ، وتلك الأقوال كلها تترتب هنا ، وفي هذا الموضع قول يختص به ، قاله ابن عباس وسالم بن عبد الله وابن جبير والشعبي : { الر } { حم } [ غافر : 1 ، فصلت : 1 ، الشورى : 1 ، الزخرف : 1 ، الدخان : 1 ، الجاثية : 1 ، الأحقاف : 1 ] و { ن } [ القلم : 1 ] هو الرحمن قطع اللفظ في أوائل هذه السورة{[5996]} . واختلف عن نافع في إمالة الراء والقياس أن لا يمال وكذلك اختلف القرّاء وعلة من أمال الراء أن يدل بذلك على أنها اسم للحرف وليست بحرف في نفسها وإنما الحرف «ر »{[5997]} .

وقوله تعالى : { تلك } قيل هو بمعنى هذه{[5998]} وقد يشبه أن يتصل المعنى ب { تلك } دون أن نقدرها بدل غيرها والنظر في هذه اللفظة إنما يتركب على الخلاف في فواتح السور فتدبره . و { الكتاب } قال مجاهد وقتادة : المراد به التوراة والإنجيل ، وقال مجاهد أيضاً وغيره : المراد به القرآن وهو الأظهر ، و { الحكيم } فعيل بمعنى محكم كما قال تعالى : { هذا ما لدي عتيد }{[5999]} أي ُمْعَتد ُمَعد ، ويمكن أن يكون «حكيم » بمعنى ذو حكمة فهو على النسب ، وقال الطبري فهو مثل أليم بمعنى مؤلم ثم قال : هو الذي أحكمه وبيّنه .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية رضي الله عنه : فساق قولين على أنهما واحد .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[5996]:-تعبير القرطبي هنا نقلا عن ابن عباس: "الر، وحم، ونون: حروف (الرحمان) مفرقة"، وهو يفسر المعنى المراد هنا.
[5997]:- قال ابن خالويه في كتاب "الحجة": "يقرأ بكسر الراء وفتحها، فالحجة لمن أمال أنه أراد التخفيف، والحجة لمن فتح أنه أتى باللفظ على الأصل، وكلهم قصروا الراء، وأهل العربية يقولون في حروف المعجم: إنه يجوز إمالتها، وتفخيمها، وقصرها ومدّها، وتذكيرها وتأنيثها".
[5998]:- والمشار إليه –على هذا- حاضر قريب، وهذا هو رأي ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره أبو عبيدة كما ذكر أبو حيان في "البحر"، وعليه جاء قول الأعشى: تلك خيلي منه وتلك ركابي هنّ صفر أولادها كالزبيب ثم اختلف- بعد ذلك- في المقصود بالإشارة، فقيل: آيات القرآن الكريم، وقيل: آيات السورة التي تقدم ذكرها في آخر التوبة في قوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة}، وقيل: المشار إليه هو (الراء) فإنها كنوز القرآن، وبها العلوم التي استأثر الله بها، إذ المراد أن الحروف التي افتتحت بها السور وإن قربت ألفاظها فمعانيها بعيدة المنال.
[5999]:- من الآية (23) من سورة (ق).