الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، ومن والاه .
أما بعد : فهذا تفسير لسورة " طه " يأتي في أعقاب تفاسير أخرى ، لسور أخرى . . .
أسأل الله –تعالى- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
1- سورة " طه " من السور المكية . وكان ترتيبها في النزول بعد سورة مريم .
قال الآلوسي : " وتسمى –أيضا- بسورة الكليم . . وآياتها –كما قال الداني –مائة وأربعون آية عند الشاميين ومائة وخمس وثلاثون عند الكوفيين ، ومائة وأربع وثلاثون عند الحجازيين " ( {[1]} ) .
وقال القرطبي : " سورة طه –عليه السلام- مكية في قول الجميع ، نزلت قبل إسلام عمر –رضي الله عنه- ، فقد قيل له : إن ختنك وأختك قد صَبَوا –أي : دخلا في الإسلام- فأتاهما وعندهما رجل من المهاجرين . . يقال له : خباب وكانوا يقرءون " طه " . . ( {[2]} ) " .
2- وقد افتتحت السورة الكريمة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم وببيان وظيفته ، وببيان سمو منزلة القرآن الكريم : الذي أنزله عليه ربه الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
قال –تعالى- : [ طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى . تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلا . الرحمن على العرش استوى . . . ] .
3- ثم فصلت السورة الكريمة الحديث عن قصة موسى –عليه السلام- فبدأت بنداء الله –تعالى- له ، وباختياره لحمل رسالته . ثم تحدثت عن تكليفه –سبحانه- لموسى ، بالذهاب إلى فرعون .
قال –تعالى- : [ اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري ] .
4- ثم حكت السورة ما دار بين موسى وبين فرعون من مناقشات ومجادلات ، وكذلك ما دار بين موسى وبين السحرة الذين جمعهم فرعون لمنازلة موسى –عليه السلام- وكيف أن السحرة انتهى أمرهم بالإيمان ، وبقولهم لفرعون : [ لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا . إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، والله خير وأبقى ] .
5- ثم بينت السورة الكريمة ما فعله بنو إسرائيل في غيبة موسى عنهم ، وكيف أن السامري قد أضلهم بأن جعلهم يعبدون عجلا له خوار . . . وكيف أن موسى رجع إليهم غضبان أسفا . . فحطم العجل وأحرقه وألقاه في اليم وهو يقول : [ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ] .
6- وبعد أن فصلت السورة الكريمة الحديث عن قصة موسى –عليه السلام- عقبت على ذلك ببيان وظيفة القرآن الكريم ، وببيان جانب من أهوال يوم القيامة ، وسوء عاقبة الكافرين ، وحسن عاقبة المؤمنين .
قال –تعالى- : [ وعنت الوجوه للحمى القيوم وقد خاب من حمل ظلما . ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ] .
7- ثم ساقت السورة في أواخرها جانبا من قصة آدم . فذكرت سجود الملائكة له ، ونسيانه لأمر ربه ، وقبول الله –تعالى- لتوبة آدم بعد أن وسوس له الشيطان بما وسوس . .
قال –تعالى- : [ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى . فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ] .
8- ثم ختمت السورة الكريمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر وبالإكثار من ذكر الله –تعالى- وبعدم التطلع إلى زهرة الحياة الدنيا ، وبأمر أهله بالصلاة . وبالرد على مزاعم المشركين ، وبتهديدهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا على ضلالهم . .
قال –تعالى- : [ قل كل متربص فتربصوا ، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ] .
9- هذا عرض إجمالي لأهم المقاصد التي اشتملت عليها سورة طه . ومن هذا العرض نرى : أن القصة قد أخذت جانبا كبيرا منه . وكذلك الحديث عن القرآن الكريم وعن يوم القيامة ، وعن أحوال الناس فيه . . قد تكرر فيها بأسلوب يهدي للتي هي أقوم . .
افتتحت السورة الكريمة بلفظ { طه } ، وهذا اللفظ أظهر الأقوال فيه أنه من الحروف المقطعة التى افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم .
وقد بينا بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . . . . آراء العلماء فى المقصود بهذه الحروف .
وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن الكريم ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه والتعجيز لمن عارضوا فى كون القرآن من عند الله - تعالى - ، أو فى كونه معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - دالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه .
وقيل : إن هذا اللفظ بمعنى يا رجل فى لغة بعض قبائل العرب . .
وقيل : إنه اسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو للسورة . . . إلى غير ذلك من الأقوال التى رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها .
روى إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب " التوحيد " ، عن زياد بن أيوب ، عن إبراهيم بن المنذر الحِزَامي ، حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار ، عن عمر بن حفص بن ذَكْوَان ، عن مولى الحُرقة - يعني عبد الرحمن بن يعقوب - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمعت الملائكة قالوا : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا{[1]} وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تتكلم{[2]} بهذا " {[3]} .
هذا حديث غريب ، وفيه نكارة ، وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تُكلِّم فيهما .
تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة{[19188]} الواسطي ، حدثنا أبو أحمد - يعني : الزبيري - أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : طه : يا رجل . وهكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، و[ عطاء ]{[19189]} ومحمد بن كعب ، وأبي مالك ، وعطية العوفي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن أبزى أنهم قالوا : " طه " بمعنى : يا رجل .
وفي رواية عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير والثوري أنها{[19190]} كلمة بالنبطية معناها : يا رجل . وقال أبو صالح هي مُعَرّبة .
وأسند القاضي عياض في كتابه " الشفاء " من طريق عبد بن حميد في تفسيره : حدثنا هاشم بن [ القاسم ]{[19191]} عن ابن جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى { طه } ، يعني : طأ الأرض يا محمد ، { مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } . ثم قال : ولا خفاء بما في هذا من الإكرام وحسن{[19192]} المعاملة{[19193]} .
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى : { طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىَ * إِلاّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَىَ } .
قال أبو جعفر محمد بن جرير : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : طَهَ فقال بعضهم : معناه يا رجل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : طه : بالنّبَطية : يا رجل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " طه ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَى " فإن قومه قالوا : لقد شَقِي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله تعالى ذكره طَهَ يعني : يا رجل ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَى .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن مسلم ، أو يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير أنه قال : طه : يا رجل بالسريانية .
قال ابن جريج : وأخبرني زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، بذلك أيضا . قال ابن جُرَيج ، وقال مجاهد ، ذلك أيضا .
حدثنا عمران بن موسى القزّاز ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا عُمارة ، عن عكرمة ، في قوله : طَهَ قال : يا رجل ، كلمه بالنبطية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد الله ، عن عكرمة ، في قوله طَهَ قال : بالنبطية : يا إنسان .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن قرة بن خالد ، عن الضحاك ، في قوله طَه قال : يا رجل بالنبطية .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حُصَين ، عن عكرمة في قوله طَهَ قال : يا رجل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله طَهَ قال : يا رجل ، وهي بالسريانية .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن في قوله : طَهَ قالا : يا رجل .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، يعني ابن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله طَهَ قال : يا رجل .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء الله ، وقَسَم أقسم الله به . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : طَهَ قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو اسم من أسماء الله .
وقال آخرون : هو حروف مقطّعة يدلّ كلّ حرف منها على معنى ، واختلفوا في ذلك اختلافهم في الم ، وقد ذكرنا ذلك في مواضعه ، وبيّنا ذلك بشواهده .
والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه : قول من قال : معناه : يا رجل ، لأنها كلمة معروفة في عكَ فيما بلغني ، وأن معناها فيهم : يا رجل ، أنشدت لمتمم بن نُويرة :
هَتَفْتُ بطَهَ فِي القِتالِ فَلَمْ يُجبْ *** فخِفْتُ عَلَيْهِ أنْ يَكونَ مُوَائِلا
إنّ السّفاهَةَ طَهَ مِنْ خَلائِقِكُمْ *** لا بارَكَ اللّهُ فِي القَوْمِ المَلاعِينِ
فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا ، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه ، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين .
بسم الله الرحمان الرحيم { طه } فخمها قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل ، وفخم الطاء وحده أبو عمرو وورش لاستعلائه وأمالها الباقون : وهما من أسماء الحروف . وقيل معناه يا رجل على لغة عك ، فإن صح فلعل أصله يا هذا فتصرفوا فيه بالقلب والاختصار والاستشهاد بقوله :
إن السفاهة طاها في خلائقكم *** لا قدس الله أخلاق الملاعين
ضعيف لجواز أن يكون قسما كقوله حم لا ينصرون ، وقرئ { طه } على أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه ، فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه وأن أصله طأ فقلبت همزته هاء أو قلبت في يطأ ألفا كقوله : لا هناك المرتع . ثم بنى عليه الأمر وضم إليه هاء السكت وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل { طه } طأها والألف مبدلة من الهمزة والهاء كناية الأرض ، لكن يرد ذلك كتابتهما على صورة الحرف وكذا التفسير بيا رجل أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما .
سورة طه هذه السورة مكية{[1]} .
اختلف الناس في قوله { طه } بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك : إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ . ب . ج . د . فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد { طه } من الكلام لا يصح أن يكون خبراً عن { طه } واختصت أيضاً { طه } بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة ، فمنها قول من قال { طه } اسم من أسماء محمد عليه السلام ، وقوله من { طه } معناه «يا رجل بالسريانية » وقيل بغيرها من لغات العجم ، وحكي أنها لغة يمنية في عك{[8073]} وأنشد الطبري : [ الطويل ]
دعوت بطه في القتال فلم يجب . . . فخفت عليه أن يكون موائلاً{[8074]}
ويروى مزايلاً وقال الآخر : [ البسيط ]
إن السفاهة طه من خلائقكم . . . لا بارك الله في القوم الملاعين{[8075]}
وقالت فرقة : سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح{[8076]} بين قدميه فقيل له : طأ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح{[8077]} ، فالضمير في { طه } للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة ، وقرأت «طه » وأصله :طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «طَهَ » بفتح الطاء والهاء وروي ذلك عن قالون عن نافع ، وروي يعقوب عنه كسرهما ، وروي عنه بين الكسر والفتح ، وأمالت فرقة ، والتفخيم لغة الحجاز والنبي عليه السلام ، وقرأ عاصم{[8078]} وحمزة والكسائي بكسر الطاء والهاء ، وقرأ أبو عمر و «طَهِ » بفتح الطاء وكسر الهاء ، وقرأت فرقة «طَهْ » بفتح الطاء وسكون الهاء ، وقد تقدمت ، وروي عن الضحاك وعمرو بن فائد أنهما قرآ «طاوي » .
سميت سورة { طاها } باسم الحرفين المنطوق بهما في أولها .
ورسم الحرفان بصورتهما لا بما ينطق به الناطق من اسميهما تبعا لرسم المصحف كما تقدم في سورة الأعراف . وكذلك وردت تسميتها في كتب السنة في حديث إسلام عمر بن الخطاب كما سيأتي قريبا .
وفي تفسير القرطبي عن مسند الدرامي عن هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى قرأ { طاها } { باسمين } قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة ينزل هذا عليها الحديث . قال ابن فورك : معناه أن الله أظهر كلامه وأسمعه من أراد أن يسمعه من الملائكة ، فتكون هذه التسمية مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر في الإتقان عن السخاوي أنها تسمى أيضا { سورة الكليم } ، وفيه عن الهذلي في كامله أنها تسمى { سورة موسى } .
وهي مكية كلها على قول الجمهور . واقتصر عليه ابن عطية وكثير من المفسرين . وفي الإتقان أنه استثني منها آية { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } الآية . واستظهر في الإتقان أن يستثنى منها قوله تعالى { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } الآية . لما أخرج أبو يعلى والزار عن أبي رافع قال : أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال : لا ، إلا برهن ، فأتيت النبي فأخبرته فقال : أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض . فلم أخرج من عنده حتى نزلت { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } الآية اهـ .
وعندي أنه إن صح حديث أبي رافع فهو من اشتباه التلاوة بالنزول . فالعل النبي صلى الله عليه وسلم قرأها متذكرا فظنها أبو رافع نازلة ساعتئذ ولم يكن سمعها قبل ، أو أطلق النزول على التلاوة . ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة .
وهذه السورة هي الخامسة والأربعون في ترتيب النزول نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الواقعة . ونزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب لما روى الدارقطني عن أنس بن مالك ، وابن إسحاق في سيرته عنه قال : خرج عمر متقلدا بسيف . فقيل له : إن ختنك وأختك قد صبوا ، فأتاهما عمر وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما سورة { طاها } ، فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه? فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ . فقام عمر وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ طه . فلما قرأ صدرا منها قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه إلى آخر القصة . وذكر الفخر عن بعض المفسرين أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة .
وكان إسلام عمر في سنة خمس من البعثة قبيل الهجرة الأولى إلى الحبشة فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة خمس أو أواخر سنة أربع من البعثة .
وعدت آيها في عدد أهل المدينة ومكة مائة وأربعا وثلاثين وفي عدد أهل الشام مائة وأربعين ، وفي عدد أهل البصرة مائة واثنتين وثلاثين . وفي عدد أهل الكوفة مائة وخمسا وثلاثين .
احتوت من الأغراض على : التحدي بالقرآن بذكر الحروف المقطعة في مفتتحها والتنويه بأنه تنزيل من الله لهدي القابلين للهداية ؛ فأكثرها في هذا الشأن .
والتنويه بعظمة الله تعالى . وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس . فضرب المثل لنزول القران على محمد صلى الله عليه وسلم بكلام الله موسى عليه السلام
وبسط نشأة موسى وتأييد الله إياه ونصره على فرعون بالحجة والمعجزات وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه .
وإنجاء الله موسى وقومه ، وغرق فرعون ، وما أكرم الله به بني إسرائيل في خروجهم من بلد القبط .
وقصة السامري وصنعه العجل الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى عليه السلام وكل ذلك تعويض بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه . فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد من أعرضوا عن القرآن ولم تنفعهم أمثاله ومواعظه .
ورتب على ذلك سوء الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مقادتهم بيد الشيطان وإنذارهم بسوء العقاب في الدنيا .
وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه وتثبيته على الدين .
وتخلل ذلك إثبات البعث . وتهويل يوم القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال .
وهذان الحرفان من حروف فواتح بعض السور مثل آلم ، ويس . ورسما في خط المصحف بصورة حروف التهجي التي هي مسمى ( طا ) و ( ها ) كما رُسم جميع الفواتح التي بالحروف المقطعة . وقرئا لجميع القراء كما قرئت بقية فواتح السور . فالقول فيهما كالقول المختار في فواتح تلك السور ، وقد تقدم في أول سورة البقرة وسورة الأعراف .
وقيل هما حرفان مقتضَبَان من كلمتي ( طاهر ) و ( هاد ) وأنهما على معنى النّداء بحذف حرف النداء .
وتقدم وجه المدّ في ( طا ) ( ها ) في أول سورة يونس . وقيل مقتضبان من فعل ( طَأْ ) أمراً من الوطء . ومن ( ها ) ضمير المؤنثة الغائبة عائد إلى الأرض . وفُسر بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره إذا قام في صلاة الليل قام على رِجْل واحدة فأمره الله بهذه الآية أن يطأ الأرض برجله الأخرى . ولم يصح .
وقيل ( طاها ) كلمة واحدة وأن أصلها من الحبشية ، ومعناها إنسان ، وتكلمت بها قبيلة ( عَك ) أو ( عُكْل ) وأنشدوا ليزيد بن مهلهل :
إن السفاهة طاها من شمائلكم *** لا باركَ الله في القوممِ الملاعين
وذهب بعض المفسرين إلى اعتبارهما كلمة لغة ( عَك ) أو ( عُكل ) أو كلمة من الحبشية أو النبطية وأنّ معناها في لغة : ( عك ) يا إنسان ، أو يا رجل ، وفي ما عداها : يا حبيبي ، وقيل : هي اسم سمى الله به نبيئه صلى الله عليه وسلم وأنه على معنى النّداء ، أو هو قسم به . وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى على معنى القسم .
ورويت في ذلك آثار وأخبار ذكر بعضها عياض في « الشِّفاء » . ويجري فيها قول من جعل جميع هذه الحروف متحدة في المقصود منها . كقول من قال : هي أسماء للسور الواقعة فيها ، ونحو ذلك مما تقدم في سورة البقرة . وإنما غرّهم بذلك تشابه في النطق فلا نطيل بردها . وكذلك لا التفات إلى قول من زعموا أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
الإعلام بإمهال المدعوين والحلم عنهم والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم زيادة في شرف داعيهم صلى الله عليه وسلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تبدأ هذه السورة وتختم خطابا للرسول [صلى الله عليه وسلم] ببيان وظيفته وحدود تكاليفه.. إنها ليست شقوة كتبت عليه، وليست عناء يعذب به. إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره. المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها. الذي تعنو له الجباه، ويرجع إليه الناس: طائعهم وعاصيهم.. فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر؛ ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون. وبين المطلع والختام تعرض قصة موسى عليه السلام من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة؛ وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى -وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة... وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه، وقال له ولأخيه: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)..
وتعرض قصة آدم سريعة قصيرة، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار...
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة. وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم. حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار. تصديقا لما قيل لأبيهم آدم، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان! ومن ثم يمضي السياق في هذه السورة في شوطين اثنين: الشوط الأول يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى...) تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته. والشوط الثاني يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى. ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة. وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله.. ظل علوي جليل، تخشع له القلوب، وتسكن له النفوس، وتعنو له الجباه.. إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على الوادي المقدس على عبده موسى، في تلك المناجاة الطويلة؛ والليل ساكن وموسى وحيد، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل.. وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا).. (وعنت الوجوه للحي القيوم).. والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
احتوت من الأغراض على: التحدي بالقرآن بذكر الحروف المقطعة في مفتتحها والتنويه بأنه تنزيل من الله لهدي القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.
والتنويه بعظمة الله تعالى. وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس. فضرب المثل لنزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بكلام الله موسى عليه السلام
وبسط نشأة موسى وتأييد الله إياه ونصره على فرعون بالحجة والمعجزات وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه.
وإنجاء الله موسى وقومه، وغرق فرعون، وما أكرم الله به بني إسرائيل في خروجهم من بلد القبط.
وقصة السامري وصنعه العجل الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى عليه السلام وكل ذلك تعويض بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه. فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد من أعرضوا عن القرآن ولم تنفعهم أمثاله ومواعظه.
ورتب على ذلك سوء الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مقادتهم بيد الشيطان وإنذارهم بسوء العقاب في الدنيا.
وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه وتثبيته على الدين.
وتخلل ذلك إثبات البعث. وتهويل يوم القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتخفيف عنه. وسلسلة طويلة تحتوي قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل وقصة آدم وإبليس في معرض التسلية وضرب المثل والعظة والإنذار. وفيها حكاية لبعض مواقف الكفار وبيان لمصيرهم ومصير المتقين. وفصول السورة مترابطة منسجمة كما أن آياتها متماثلة في التسجيع وأكثر مقاطعها متوازنة مقفاة؛ مما يسوغ إنها نزلت فصولا متلاحقة. وفيها آية معترضة تعلّم النبي صلى الله عليه وسلم أدب تلقي القرآن. ومشابهة لآيات سورة القيامة [16_ 19].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
تثير هذه السورة في آياتها العمق الإنساني للنفس البشرية لمواجهة مسألة المصير الأخروي من مواقع الاهتمام والجدية، ومسألة الواقع الدنيوي من موقع المسؤولية، وذلك من خلال توجيه القلب والعقل والوجدان للقرآن الذي هو الكتاب الإلهي الذي أنزله الله على قلب رسوله، ليدعو به الناس إلى تعاليمه بطريقة متوازنة واقعية، لا تصل إلى مستوى الإجهاد الذي يشقي البدن، في وقت يريد الله القرآن تذكرة للذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب..
ثم تنطلق السورة لتثير أمام القلب البشري التصور الإسلامي القرآني عن الله، ليبقى الإنسان، من خلال التصور الشامل العميق، واعياً لمسؤوليته في إحساسه بالحضور الإلهي الذي {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 6 -7].
ثم ينفتح على الرسالة في شخصية الرسول، فنلتقي بالنبي موسى (عليه السلام) في دعوته إلى الله ومعاناته في سبيل ذلك، وفي حركته القوية التي تصدم الواقع الطاغي، بالكلمة والأسلوب والموقف، وفي حيوية شخصيته التي تتميز بالإخلاص والتواضع والعفوية الرسالية، والقوة المتحركة في أكثر من اتجاه.. وهكذا تتنوع الصور والمواقف وتطل من خلالها على قومه وكيف واجهوه من موقع التخلُّف الفكري، ليزيد ذلك من التذكير بخشية الله، والانفتاح على تعاليمه وآياته...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين نزلت في مكّة، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج التوحيد وتعاسات الشرك.
في القسم الأوّل، تشير هذه السورة إِشارة قصيرة إِلى عظمة القرآن، وبعض صفات الله الجلالية والجمالية.
أمّا القسم الثّاني الذي يتضمّن أكثر من ثمانين آية فيتحدث عن قصة موسى (عليه السلام)، من حين بعثته، إِلى نهوضه لمقارعة فرعون الجبار وأعوانه، إِلى مواجهه السحرة وإِيمانهم. ثمّ إِغراق الله فرعون وأتباعه بصورة إِعجازية، ونجاة موسى والذين آمنوا به. ثمّ تبيّن حادثة عبادة بني إِسرائيل للعجل، والمواجهة بين هارون وموسى وبين بني إِسرائيل.
وفي القسم الثّالث جاءت بعض المسائل حول المعاد، وجانب من خصوصيات القيامة.
وفي القسم الرّابع الحديث عن القرآن وعظمته.
وفي القسم الخامس تصف الآيات قصّة آدم وحواء في الجنّة، ثمّ حادثة وسوسة إِبليس، وأخيراً هبوطهما إِلى الأرض.
وفي القسم الأخير، تبيّن السورة المواعظ والنصائح، لكل المؤمنين، مع توجيه الخطاب في كثير من الآيات إِلى نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: طَهَ؛ فقال بعضهم: معناه يا رجل... وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله، وقَسَم أقسم الله به... وقال آخرون: هو حروف هجاء... وقال آخرون: هو حروف مقطّعة يدلّ كلّ حرف منها على معنى،... والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه: قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في عكَ فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل...فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين... فتأويل الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل، وذُكِر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النَّصب والعناء والسهر في قيام الليل... عن قتادة "مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى "لا والله ما جعله الله شقيا، ولكن جعله رحمة ونورا، ودليلا إلى الجنة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
اختلف الناس في قوله {طه} بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك: إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ. ب. ج. د. فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد {طه} من الكلام لا يصح أن يكون خبراً عن {طه} واختصت أيضاً {طه} بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة، فمنها قول من قال {طه} اسم من أسماء محمد عليه السلام، وقول من [قال] {طه} معناه «يا رجل بالسريانية» وقيل بغيرها من لغات العجم، وحكي أنها لغة يمنية في عك...
وقالت فرقة: سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح بين قدميه فقيل له: طأ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، فالضمير في {طه} للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة، وقرأت «طه» وأصله:طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
هذه السورة والتي قبلها من أقدم السور المكية...إذا تقرر هذا، علم أن المقصود من السورة -كما تقدم- تشريف هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بإعلامه بالرفق بأمته، والإقبال بقلوبهم حتى يملأوا الأرض كثرة، كما أنزل عليهم السكينة وهم في غاية الضعف والقلة، وحماهم ممن يريد قتلهم، ولين قلب عمر رضي الله عنه بعد ما كان فيه من الغلظة وجعله وزيراً، ثم حماه بعدوه، وتأمينه صلى الله عليه وسلم من أن يستأصلوا بعذاب، وبأنه يموت نبيهم قبلهم لا كما وقع للمهلكين من قوم نوح وهود عليهما السلام ومن بعدهم -بما دل عليه افتتاح هذه بنفي الشقاء وختم تلك بجعل الود وغير ذلك، والداعي إلى هذا التأمين أنه سبحانه لما ختم تلك بإهلاك القرون وإبادة الأمم بعد إنذار القوم اللد، ولم يختم سورة من السور الماضية بمثل ذلك، كان ربما أفهم أنه قد انقضت مدتهم، وحل بوارهم، وأتى دمارهم، وأنه لا يؤمن منهم- لما هم فيه من اللدد -إلا من قد آمن، فحصل بذلك من الغم والحزن ما لا يعلم قدره إلا الله، لأن الأمر كان في ابتدائه، ولم يسلم منهم إلا نفر يسير جداً.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
الإيضاح: {طه} تقدم أن قلنا إن أصح الآراء في الحروف المقطعة التي في أوائل السور أنها حروف تنبيه كألا ويا ونحوهما مما يذكر في أوائل الجمل لقصد تنبيه المخاطب إلى ما يلقى بعدها لأهميته وإرادة إصغائه إليه نحو ما جاء في قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس:62].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
مطلع رخي ندي. يبدأ بالحروف المقطعة: طا. ها، للتنبيه إلى أن هذه السورة كهذا القرآن -مؤلفة من مثل هذه الحروف على نحو ما أوردنا في مطالع السور. ويختار هنا حرفان ينتهيان بإيقاع كإيقاع السورة، ويقصران ولا يمدان لتنسيق الإيقاع كذلك. يتلو هذين الحرفين حديث عن القرآن- كما هو الحال في السور التي تبدأ بالحروف المقطعة -في صورة خطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم].
فالبعض يرى أنها حروف متصلة، وهي اسم من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخرون يرون أنها حروف مقطعة مثل (الم) ومثل (يس) فهي حروف مقطعة، إلا أنها صادفت اسما من الأسماء كما في (ن) حرف وهو اسم للحوت: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا.. (87)} (الأنبياء)... إذن: لا مانع أن تدل هذه الحروف على اسم من الأسماء، فتكون (طه) اسما من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وأن بعدها: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} (طه). لكن تلاحظ هنا مفارقة، حيث نطق الطاء والهاء بدون الهمزة، مع أنها حروف مقطعة مثل ألف لام ميم، لكن لم ينطق الحرف كاملا، لأنهم كانوا يستثقلون الهمز فيخففونها، كما في ذئب يقولون: ذيب وفي بئر، يقولون: بير، وهذا النطق يرجح القول بأنها اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.