سورة طه{[1]}
( مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية ، وعدد كلماتها ألف وثلاثمائة وإحدى وأربعون كلمة ، وعدد حروفها آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا ){[2]} .
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت السورة التي ذُكرت فيها البقرة من الذّكر الأول{[3]} ، وأُعطيت طه والطواسين ( من ألواح موسى ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتم السورة التي ذُكرت فيها البقرة من تحت العرش ، وأعطيت المفصل نافلة " {[4]} ) .
{ بِسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحِيمِ }{[22913]} . قوله تعالى{[22914]} : { طَهَ } قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء{[22915]} ، وكسرهما{[22916]} جميعاً حمزة والكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما{[22917]} . قال الزجاج : وتقرأ " طَهْ " بفتح الطاء وسكون الهاء{[22918]} ، وكلها لغات . قال الزجاج : من فتح الطاء والهاء{[22919]} ، فأن ما قبل الألف مفتوح . ومن كسر الطاء والهاء أمال إلى الكسر{[22920]} ، لأن الحرف{[22921]} مقصور ، والمقصور يغلب عليه الإمالة إلى الكسر{[22922]} .
قد تقدم الكلام في الحروف المقطعة أول الكتاب ، وفي هذه ، وفي هنا{[22923]} قولان ، الصحيح أنها من ذاك{[22924]} .
وقيل : إنه مفيد . فقال الثعلبي : " طَا " شجرة طوبى " والهاء " {[22925]} الهاوية . فكأنه أقسم بالجنة والنار{[22926]} . وقال سعيد بن جبير : هو افتتاح اسمه الطيب الطاهر الهادي{[22927]} . وقيل : يا مطمع الشفاعة للأمة ، ويا هادي الخلق إلى الملة .
وقيل : ( الطاء ) تسعة في الحساب ، و ( الهاء ) خمسة يكون أربعة عشر ، ومعناه يا أيها البدر{[22928]} ، وقيل غير ذلك .
قيل : معنى ( طَهَ ) يا رَجُل ، وهو مرويّ عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد ابن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، والكلبي ، ثم قال سعيد بن جبير : بالنبطية ، وقال قتادة : بالسريانية ، ( وقال عكرمة ){[22929]} : بالحبشية{[22930]} ، وقال الكلبي : بلغة عك{[22931]} ، وقيل : عُكْلٌ ، وهي{[22932]} لغة يمانية{[22933]} .
وقال{[22934]} الكلبي : إنك لو قلت في عَك ، يا رَجُل لم تجب حتى تقول : طَهَ{[22935]} .
وقال الطَّبَري : طَهَ في عك بمعنى يا رجل ، وأنشد قولَ شاعرهم :
دَعَوْتُ بِطَهَ في القِتَالِ{[22936]} فَلَمْ يُجِبْ *** فَخِفْتُ{[22937]} عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوَائِلاَ{[22938]}
إنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ فِي خَلائِقِكُمْ *** لاَ قَدَّسَ اللهُ أرْوَاحَ المَلاَعِينِ{[22939]} {[22940]}
قال الزمخشري : وأثر الصنعة ظاهر في البيت المستشهد به{[22941]} .
وقال السُّدِّي : معناه يا فلان{[22942]} . وقال الزمخشري أيضاً : ولعل عكَّا{[22943]} تصرفوا في " يَا هَذَا " كأنهم في لغتهم قالبون{[22944]} الياء طاء ، فقالوا في{[22945]} ( يَا هَذَا ) : طَا هَذَا ، واختصروا ( هذا ){[22946]} ( فاقْتَصَرُوا عَلَى هَا ){[22947]} {[22948]} .
فكأنَّه{[22949]} قيل في الآية الكريمة : يَا هَذَا ، وفيه بُعْدٌ كبير . واعترض عليه بعضهم فقال : لو كان كذلك لوجب أن يكتب أربعة أحرف طَاهَا{[22950]} .
قال أبُو حيَّان : ثم تخرص وحرز على عَكَّ ما لم يقله نحوي ، وهو أنهم يقلبون " ياء " التي للنداء ( طاء ){[22951]} ، ويحذفون اسم الإشارة ويقتصرون منه{[22952]} على ( ها ) التي للتنبيه{[22953]} وقيل : ( طَهَ ) أصله{[22954]} : طأها بهمزة ، ( طَأْ ){[22955]} أمر ، من وطئ يطأ ، و ( ها ) ضمير مفعول يعوج على الأرض ، ثم أبدل الهمزة لسكونها ألفاً{[22956]} ولم يحذفها في الأمر نظراً إلى أصلها ، أي : طأ الأرض بقدميْكَ{[22957]} ، وقد جاء في الحديث : " أنَّهُ قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاه{[22958]} " وقرأ الحسن ، وعكرمة ، وأبو حنيفة{[22959]} ، وورش في اختياره{[22960]} " طه " {[22961]} بإسقاط الألف بعد الطاء ، و ( هاء ) ساكنة{[22962]} وفيها وجهان :
أحدهما : أن الأصل ( طأ ) بالهمزة ، أمراً أيضاً من وَطِئ يَطَأ ، ثم أبدلت الهمزة هاء{[22963]} كإبدالهم لها{[22964]} في{[22965]} : هرقت ، وهرحت ، وهنرت ، والأصل : أرقت ، وأرحت ، وأنرت{[22966]} .
والثاني : أنه أبدل الهمزة ألفاً ، كأنه أخذه{[22967]} من وطئ يطأ بالبدل كقوله :
. . . *** . . . لاَ هَنَاكِ المَرْتَعُ{[22968]}
ثم حذف{[22969]} الألف حملاً للأمر على المجزوم ، وتناسباً لأصل الهمز{[22970]} ثم ألحق هاء السكت ، وأجرى الوصل مجرى الوقف{[22971]} وقد تقدم في أول يونس الكلام على إمالة " طا " و " ها " . قوله : { أنْزَلْنَا } هذه قراءة العامة{[22972]} {[22973]} .
وقرأ طلحة : " مَا نُزِّلَ " {[22974]} مبنياً للمفعول " القُرْآن " رفع لقيامه مقام فاعله{[22975]} .
وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة إن جعلت " طَهَ " تعديداً لأسماء الحروف . ويجوز أن تكون خبراً ل ( طَهَ ) إن جعلتها اسماً للسورة ، ويكون القرآن ظاهراً{[22976]} واقعاً{[22977]} موقع المضمر ؛ لأنَّ ( طه ) قرآن أيضاً ، ويجوز أن تكون ( جواب قسم ){[22978]} إنْ جعلت ( طَهَ ) مقسماً به{[22979]} . وقد تقدَّم تفصيل ذلك .