روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

سورة طه 20

أيضا سورة الكليم كما ذكر السخاوى في جمال القراء وهى كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم مكية واستثنى بعضهم منها قوله تعالى واصبر على ما يقولون الآية وقال الجلال السيوطي ينبغي أن يستثنى اية اخرى فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبى رافع قال أضاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ضيفا فأرسلنى إلى رجل من اليهود أن اسلفنى دقيقا إلى هلال رجب فقال لا إلا برهن فأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال أما والله انى لأمين في السماء أمين في الأرض فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به ازواجا منهم الآية انتهى ولعل ما روى عن الحبرين على القول باستثناء ما ذكر باعتبار الأكثر منها وآياتها كما قال الداني مائة وأربعون آية شامى وخمس وثلاثون كوفى وأربع حجازي وآيتان بصرى ووجه الترتيب على ما ذكره الجلال أنه سبحانه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء عليهم السلام وبعضها مبسوط كقصة زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وبعضها بين البسط والإيجاز كقصة ابراهيم عليه السلام وبعضها موجز مجمل كقصة موسى عليه السلام وإشارة إلى بقية النبيين عليهم السلام اجمالا ذكر جل وعلا في هذه السورة شرح قصة موسى عليه السلام التي اجملها تعالى هناك فاستوعبها سبحانه غاية الاستيعاب وبسطها تبارك وتعالى أبلغ بسط ثم اشار عز شأنه إلى تفصيل قصة آدم عليه السلام الذي وقع في مريم مجرد ذكر اسمه ثم اورد جل جلاله في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر قصته في مريم كنوح ولوط وداود وسليمان وأيوب واليسع وذي الكفل وذي النون عليهم السلام وأشير فيها إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة كموسى وهرون وإسماعيل وذكرت تلو مريم أن لتكون السورتان كالمتقابلتين وبسطت فيها قصة ابراهيم عليه السلام البسط التام فيما يتعلق به مع قومه ولم يذكر حاله مع ابيه إلا أشاره كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه اشاره ومع ابيه مبسوطا وينضم إلى ما ذكر اشتراك هذه السورة وسورة مريم في الافتتاح بالحروف المقطعه وقد روى عن أبى عباس وجابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أن طه نزلت بعد سورة مريم ووجه رابط أول هذه بآخر تلك أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام معللا بتبشير المتقين وإنذار المعاندين وذكر تعالى هنا ما فيه نوع من تاكيد ذلك وجاءت آثار تدل على مزيد فضلها أخرج الدارمى وابن خزيمه في التوحيد والطبرانى في الاوسط والبيهقي في الشعب وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان الله تبارك وتعالى قرأ طه و يس قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا وأخرج الديلمي عن انس مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبى امامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل قران يوضع عن أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا سورة طهويس فإنهم يقرؤون بهما في الجنة إلى غير ذلك من الآثار .

{ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم طه } فخمها على الأصل ابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب وهو إحدى الروايتين عن قالون وورش والرواية الأخرى أنهما فخما الطاء وأمالا الهاء وهو المروى عن أبي عمرو . وأمال الحرفين حمزة . والكسائي . وأبو بكر ؛ ولعل إمالة الطاء مع أنها من حروف الاستعلاء والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل لقصد التجانس وهي من الفواتح التي تصدر بها السور الكريمة على إحدى الروايتين عن مجاهد بل قيل : هي كذلك عند جمهور المتقنين ، وقال السدي : المعنى يا فلان ، وعن ابن عباس في رواية جماعة عنه . والحسن . وابن جبير . وعطاء . وعكرمة وهي الرواية الأخرى عن مجاهد أن المعنى يا رجل ، واختلفوا فقيل : هو كذلك بالنبطية . وقيل : بالحبشية ، وقيل : بالعبرانية ، وقيل بالسريانية .

وقيل : بلغة عكل ، وقيل : بلغة عك . وروي ذلك عن الكلبي قال : لو قلت في عك : يا رجل لم يجب حتى تقول : طاها وأنشد الطبري في ذلك قول متمم بن نويرة :

دعوت بطاها في القتال فلم يجب *** فخفت عليه أن يكون موائلاً

وقول الآخر :

إن السفاهة طاها من خلائقكم *** لا بارك الله في القوم الملاعين

وقال ابن الأنباري : إن لغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان غير لسان قريش ، ولا يخفى أن مسألة وقوع شيء بغير لغة قريش من لغات العرب في القرآن خلافية ، وقد بسط الكلام عليها في الإتقان ، والحق الوقوع وتخرص الزمخشري على عك فقال : لعل عكا تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء فقالوا : في ياطا واختصروا هذا واقتصروا على ها . وتعقبه أبو حيان بأنه لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرارها التي للتنبيه ولم يقل ذلك نحوى . وذكر في البيت الأخير أنه إن صح فطه فيه قسم بالحروف المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلامي كقوله : { حم لاَ يُنصَرُونَ } .

وتعقب بأنه احتمال بعيد وهو كذلك في المثال وقد رواه النسائي مرفوعاً . ولفظ الخبر إذا لقيكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون وليس في سياقه دليل على ذلك ، ويحتمل أن يكون لا ينصرون مستأنفاً والشعار التلفظ بحم فقط كأنه قيل : ماذا يكون إذا كان شعارنا ذلك فقيل : لا ينصرون ، وأخرج ابن المنذر . وابن مردويه عن ابن عباس أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه ، وعن أبي جعفر أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .

وقرأت فرقة منهم أبو حنيفة . والحسن . وعكرمة . وورش { طه } بفتح الطاء وسكون الهاء كبل فقيل : معناه يا رجل أيضاً ، وقيل : أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه عليه الصلاة والسلام كما روي عن الربيع بن أنس كان إذا صلى قام على رجل واحدة فأنزل الله تعالى { طه } الخ ، وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم : { يا أَيُّهَا المزمل قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً } [ المزمل : 1 ، 2 ] قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع رجلاً فهبط عليه جبريل عليه السلام فقال : { طه } الآية والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء كما قالوا في إياك وارقت ولانك هياك وهرقت ولهنك أو قلبت الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما في قول الفرزدق :

راحت بمسلمة البغال عشية *** فارعى فزارة لا هناك المرتع

وكما قالوا في سأل { سال } [ المعارج : 1 ] وحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر وضم إليه هاء السكت وهو في مثل ذلك لازم خطا ووقفا ، وقد يجري الوصل مجرى الوقف فتثبت لفظاً فيه ، وجوز بعضهم أن يكون أصل { طه } في القراءة المشهورة طاها على أن طا أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يطا الأرض بقدميه وها ضمير مؤنث في موضع المفعول به عائد على الأرض وإن لم يسبق لها ذكر ، واعترض بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لتحذف لاسيما وفي حذفها لبس فلا يجوز كما فصل في باب الخط من التسهيل .

واعترض بهذا أيضاً على تفسيره بيا رجل ونحوه ، وقيل : توجيه ذلك على هذا الأصل ويعلم منه توجيه آخر لقراءة أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومن معهم أن يقال : اكتفى من طأبطاء متحركة ومن ها الضمير بهاء ثم عبر عنهما باسميهما فها ليست ضميراً بل هي كالقاف في قوله :

قلت لها قفي فقالت قاف ***

واعترض أيضاً بأنه كان ينبغي على هذا أن لا تكتب صورة المسمى بل صورة الاسم . وأجيب بأن كتابة الأسماء بصور المسميات أمر مخصوص بحروف التهجي . وتعقب بأن ما ذكر لا يقطع مادة الإيراد إذ لو كان كذلك لا نفصل الحرفان في الخط بأن يكتبان هكذا ط ه . فإن قيل : إن خط المصحف لا ينقاس قيل عليه ما قيل ، والحق أن دعوى أن خط المصحف لا ينقاس قوية جدا وما قيل عليها لا يعول عليه ، وما صح عن السلف يقبل ولا يقدح فيه عدم موافقة القياس ، وإن كانت الموافقة هي الأصل .

وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه . والربيع بن أنس أنهما فسرا { طه } بطأ الأرض بقدميك يا محمد ولم أقف على طعن في الرواية والله تعالى أعلم .

واختلف في إعرابه حسب الاختلاف في المراد منه فهو على ما نقل عن الجمهور من أن المراد منه طائفة من حروف المعجم مسرودة على نمط التعديد افتتحت بها السورة لا محل له من الاعراب ، وكذا ما بعده من قوله تعالى : { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى } .

من باب الإشارة : في الآيات : { طه } [ طه : 1 ] يا ظاهراً بنا هادياً إلينا أو يا طائف كعبة الأحدية في حرم الهوية وهادي الأنفس الزكية إلى المقامات العلية ، وقيل : إن ط لكونه بحساب الجمل تسعة وإذا جمع ما انطوت عليه من الاعداد أعني الواحد والاثنين والثلاثة وهكذا إلى التسعة بلغ خمسة وأربعين إشارة إلى آدم لأن أعداد حروفه كذلك ، وه لكونها بحساب الجمل خمسة وما انطوت عليه من الأعداد يبلغ خمسة عشر إشارة إلى حوا بلا همز ، والإشارة بمجموع الأمرين إلى أنه صلى الله عليه وسلم أبو الخليقة وأمها فكأنه قيل : يا من تكونت منه الخليقة ، وقد أشار إلى ذلك العارف بن الفارض قدس سره بقوله على لسان الحقيقة المحمدية :

وإني وإن كنت ابن آدم صورة *** فلي منه معنى شاهد بابوتي

وقال في ذلك الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة :

طه النبي تكونت من نوره كل البرية ثم لو ترك القطا *** وقيل : { طه } في الحساب أربعة عشر وهو إشارة إلى مرتبة البدرية فكأنه قيل : يا بدر سماء عالم الإمكان .