تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة طه

نزلت سورة طه بعد سورة مريم ، وقد نزلت سورة مريم فيما بين الهجرة إلى الحبشة وحادثة الإسراء ، فيكون نزول سورة طه في ذلك التاريخ أيضا . أي : بعد السنة السابعة من البعثة وقبل السنة الحادية عشرة من البعثة .

وفي المصاحف المطبوعة بالقاهرة : سورة طه مكية إلا آيتي : 131 ، 130 فمدنيتان ، وآياتها 135 آية ، نزلت بعد مريم .

وقال الفيروزبادي : السورة مكية إجماعا ، وكلماتها 1341 كلمة ولها اسمان : طه ؛ لافتتاح السورة بها ، وسورة موسى ؛ لاشتمالها على قصته مفصلة . 1 .

معنى طه :

قيل : معناها : يا رجل ، وقيل : معناها : يا إنسان ، وقال آخرون : هي اسم من أسماء الله وقد أقسم الله به ، وقال آخرون : هي حروف مقطعة مكونة من الطاء والهاء يدل كل حرف منها على معنى واختلفوا في ذلك المعنى اختلافهم في المص وقد ذكرنا ذلك في التعريف بسورة الأعراف ، قال ابن جرير الطبري : والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناها : يا رجل ؛ لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني وأن معناها : يا رجل . 2 .

وقيل : أصله طأها على أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه كان يقوم الليل حتى ورمت قدماه من طول القيام . قد أبدلت الألف من الهمزة ، والهاء كناية عن الأرض . 3 .

والمعنى : طإ الأرض بقدميك يا محمد ، وهون على نفسك في القيام وارأف بنفسك ؛ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به تعبا ، بل لتسعد به وتذكر به الناس .

أهداف السورة

من أهداف سورة طه :

تيسير الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان : فضل الله الواسع على رسله وأصفيائه وبيان وظيفة الرسول وحصرها في الدعوة والتذكرة والتبشير والإنذار ، ثم ترك أمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره ، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه ، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها ، الذي تعنوا له الجباه ، ويرجع إليه الناس : طائعهم وعاصيهم . . فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر ، ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون .

ثم تعرض السورة قصة موسى من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر مفصلة مطولة ، وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى ، وموقف الجدل بين موسى وفرعون وموقف المباراة بين موسى والسحرة . . وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه ، وقال له ولأخيه : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } . ( طه : 46 ) .

ثم تعرض السورة قصة آدم سريعة قصيرة ، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته ، وهدايته له ، وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار .

وتحيط بقصة آدم مشاهد القيامة ، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملإ الأعلى من خلق آدم ؛ حيث يعود الطائعون من ذريته إلى الجنة ، ويذهب العصاة من ذريته إلى النار ؛ تصديقا لما قيل لأبيهم آدم وهو يهبط إلى الأرض بعد خروجه من الجنة .

ونلحظ أن السياق يمضي في هذه السورة في شوطين اثنين :

الشوط الأول : يتميز مطلع الصورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى } . ( طه : 3 ، 2 ) .

ثم تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته .

والشوط الثاني : يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى . ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة .

وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله . . ظل علوي جليل تخشع له القلوب ، وتسكن له النفوس ، وتعنوا له الجباه . . إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على عبده موسى بالوادي المقدس . في تلك المناجاة الطويلة ، والليل ساكن وموسى وحيد ، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل . . وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم : { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } . ( طه : 108 ) .

{ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما } . ( طه : 111 ) .

والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا . 4 .

قصة موسى في القرآن

بدأت سورة طه بمقدمة مؤثرة عن القرآن وعن صفات الله وأسمائه الحسنى ، ثم قص الله على رسوله حديث موسى . نموذجا لرعايته للمختارين ؛ لحمل دعوته وقصة موسى هي أكثر القصص ورودا في القرآن .

وهي تعرض في حلقات تناسب السورة التي تعرض فيها وجوها وظلها . وقد وردت حلقات منها حتى الآن في سورة البقرة وسورة المائدة وسورة والأعراف وسورة يونس وسورة الإسراء وسورة الكهف وذلك غير الإشارات إليها في سور أخرى .

وما جاء منها في المائدة كان حلقة واحدة : حلقة وقوف بني إسرائيل أمام الأرض المقدسة لا يدخلون فيها ؛ لأن فيها قوما جبارين .

وفي سورة الكهف كانت كذلك حلقة واحدة ، حلقة لقاء موسى للعبد الصالح وصحبته فترة وقد سبق الحديث عنها في دروس من سورة الكهف بعنوان : قصة موسى والخضر .

فأما في البقرة والأعراف ويونس وفي هذه السورة- طه- فقد وردت منها حلقات كثيرة ولكن هذه الحلقات تختلف في سورة عنها في الأخرى . تختلف الحلقات المعروضة . كما يختلف الجانب الذي تعرض منه تنسيقا له مع اتجاه السورة التي يعرض فيها .

وفي البقرة سبقتها قصة آدم وتكريمه في الملإ الأعلى . . . فجاءت قصة موسى وبني إسرائيل ؛ تذكيرا لبني إسرائيل بنعمة الله عليهم وعهده إليهم وإنجائهم من فرعون وملئه ، واستسقائهم وتفجير الينابيع لهم ، وإطعامهم المن والسلوى . وذكرت عدوانهم في السبت وقصة البقرة ، وفي الأعراف سبقها الإنذار وعواقب المكذبين بالآيات قبل موسى عليه السلام فجاءت قصة موسى تعرض ابتداء من حلقة الرسالة . وتعرض فيها آيات العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع وتعرض حلقة السحرة بالتفصيل ، وخاتمة فرعون وملئه المكذبين ، وفي يونس سبقها عرض مصارع المكذبين ، ثم عرض منها حلقات ثلاث : حلقة الرسالة ، وحلقة السحرة ، وحلقة غرق فرعون .

أما هنا في سورة طه فقد كان مطلع السورة يشف عن رحمة الله ورعايته لمن يصطفيهم لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، فجاءت القصة مظللة بهذا الظل تبدأ بمشهد المناجاة ، وتتضمن نماذج من رعاية الله لموسى في طفولته وشبابه ورجولته ، وتثبيته وتأييده وحراسته وتعهده .

قصة موسى في سورة طه

ولد موسى في مصر ونما وترعرع في بيت فرعون ثم قتل قتيلا خطأ فخرج هاربا إلى أرض مدين وهناك تزوج بنت نبي الله شعيب ومكث في أرض مدين عشر سنين . ثم عاد بأهله إلى مصر .

وفي الطريق أدركته عناية الله ومن الله عليه بالرسالة والعناية . . وناداه . { إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى . وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى }ز ( طه : 13 ، 12 ) .

وهذا الوحي يتعلق بثلاثة أمور مترابطة : الاعتقاد بالوحدانية ، والتوجه بالعبادة ، والإيمان بالساعة وهي أسس رسالة الله الواحدة . ومن نداء الله لموسى . { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري . إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى } . ( طه : 15 ، 14 ) .

وخص الله موسى بمعجزات ظاهرة ، وآيات باهرة ؛ أمره الله أن يلقى عصاه فألقاها فإذا هي حية تسعى ، نمت وعظمت حتى غدأت في جلادة الثعبان ، وضخامة الجان5 . لمحها موسى فاشتد خوفه فناداه الله : { خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } . ( طه : 21 ) .

ثم أدخل موسى يده تحت إبطه فخرجت بيضاء بياضا يغلب نور الشمس ليس فيها بهاق أو برص أو مرض وتمت لموسى معجزتان هما اليد والعصا ، فرأى آيات الله الكبرى ، واطمأن للنهوض بالتبعة العظمى .

أمر الله موسى أن يذهب إلى فرعون رسولا وداعيا إلى الهدى ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله وبالنار لمن عصاه .

فطلب موسى من ربه أن يشرح له صدره وأن ييسر له أمره وأن يحل حبسة لسانه ؛ ليفقه الناس قوله وأن يمن الله عليه بمعين من أهله هو وأخوه هارون .

واستجاب الله دعاء موسى وحباه بفضل زائد وذكره بأفضاله عليه صغيرا وناشئا حيث نجاه عندما قتل قتيلا خطأ وألقى عليه المحبة ورباه برعايته وصنعه بعين عنايته . . قال سبحانه : { وألقيت عليك محبة منّى ولتصنع على عيني } . ( طه : 39 ) .

وكانت عناية الله معه في شبابه حين نجاه من كيد أتباع فرعون ، وكانت عناية الله معه في رحلته إلى أرض مدين ثم في عودته إلى أرض مصر على موعد وتدبير إلهي . . قال تعالى : { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى . واصطنعتك لنفسي } . ( طه : 41 ، 40 ) .

وكلف الله موسى أن يذهب مع أخيه هارون إلى فرعون بعد أن طغى فرعون وتجبر ؛ ليقولا له قولا لينا لا يهيج الكبرياء الزائف ولا يثير العزة بالإثم ، لعل قلبه أن يتعظ أو يتذكر .

أدلة موسى على وجود الله

توجه موسى وهارون إلى فرعون ؛ ليبلغاه رسالة الله رب العالمين .

فقال فرعون : { فمن ربكما يا موسى } . ( طه : 49 ) .

فأجاب موسى : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } . ( طه : 50 ) .

وهي إجابة تلخص أكمل آثار الألوهية الخالقة المدبرة لهذا الوجود : هبة الوجود لكل موجود ، وهبة خلقه على الصورة التي خلق بها ، وهبة هدايته للوظيفة التي خلق لها .

وثنى فرعون بسؤال آخر : { قال فما بال القرون الأولى } . ( طه : 51 ) .

ما شأن القرون التي مضت من الناس ؟ أين ذهبت ؟ ومن كان ربها ؟ وما يكون شأنها وقد هلكت لا تعرف إلهها هذا ؟

وأجاب موسى : إن علمها عند الله الذي لا تخفى عليه خافية وقد سجل عملها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وقد تفضل الله على الناس بالنعم المتعددة ؛ فمهد لهم الأرض وذلل سبلها ، وأنزل الماء من السماء ؛ فأجرى به نهر النيل وغيره من الأنهار ؛ ليخرج بالماء أزواجا متعددة من النباتات يستفيد منها الإنسان والحيوان ، وقد خلق الإنسان من الأرض ، ثم رزق من نباتها ومائها ، ثم يعود إليها ، ثم يبعث منها يوم القيامة .

عرض موسى هذه الآيات الكونية أمام فرعون وأراه المعجزات الظاهرة الملموسة من اليد والعصا .

ولكن فرعون قابل هذه المعجزات الواضحة ، والحجج البالغة ، بالجحود والكنود وأخذ فرعون يكيل التهم لموسى ، ويسفه دعوته ويصفه بالطمع في الملك ، ويصف معجزاته بأنها سحر ظاهر مبين .

موسى والسحرة

توعد فرعون موسى بأن يجمع له السحرة من كل مكان ؛ ليبطلوا سحره ويظهروا عجزه . وقبل موسى التحدي ، وحدد يوم العيد واجتماع الناس في زينتها الجديدة موعدا للمبارزة ؛ حتى يشيع الحق ويظهر ظهور الشمس .

وجمعت السحرة في يوم العيد ولم يتخلف واحد منهم ، فإذا بهم آلاف مع كل واحد منهم حبل وعصا وخيروا موسى قائلين : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى } . ( طه : 65 ) .

فترك لهم موسى فرصة البدء واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة .

فتقدم السحرة وألقوا ما في أيديهم من حبال فتحركت الحبال وماجت بها الساحة وسحرت عيون المشاهدين وملأتهم بالرهبة والإجلال لهذا العمل العظيم .

وخشي موسى أن يخدع الناس عن الحق وأدركه خوف الداعية على دعوته ؛ فذكره الله بأن معه قوة كبرى ، وبأنه على الحق وعدوه على الباطل ، وبأنه رسول مؤيد بالمعجزة ، وعدوه ساحر مضلل مخادع .

{ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى . وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } . ( طه : 69 ، 68 ) .

وألقى موسى عصاه فابتلعت أعمال السحرة في سرعة مذهلة وأدرك السحرة أن عمل موسى ليس سحرا ولكنه معجزة وبرهان من الله على صدق رسالته ، فإذا بهم يخرون لله ساجدين ؛ توبة عما صنعوا ، وخشوعا لهيبة الحق ، وإكبارا لذلك الأمر الخطير ، وإيمانا بالله رب العالمين .

وعندئذ غلت مراجل الحقد والحفيظة في صدر فرعون ، ولام السحرة على إيمانهم بموسى ، قبل أن يأذن لهم ، وقال : إنه أستاذكم وكبيركم الذي علمكم السحر ، فاتفقتم معه على فعلكم ومؤامرتكم : { فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } . ( طه : 71 ) .

ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان ، كان نور الإيمان قد تخلل صدورهم فوصلهم بخالقهم فزهدوا في عرض الدنيا وسلطانها ، وتطلعت قلوبهم إلى مرضاة الله ، وفضلوا ثواب الآخرة على كل ما عداه وقالوا : إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } . ( طه : 73 ) .

غرق فرعون ونجاة موسى

استمر موسى في أداء رسالته وقيامه بواجب دعوته ، وقد اشتد إيذاء فرعون وأتباعه للمؤمنين فاسغاثوا بموسى ، فخرج موسى بهم ليلا إلى الأرض المقدسة وقد سهل الله إليها طريقهم ، واعترض البحر سبيلهم فاستغاثوا بموسى قائلين : البحر أمامنا وفرعون وراءنا ! فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر فضربه بعصاه فتولت قدرة الله أن تيسر لهم في البحر اثني عشر طريقا يابسا ممهدا للسير فسار كل فريق في طريق وحفظتهم عناية الله من فرعون ، وحين حاول فرعون اللحاق بهم أطبقت عليه وعلى جنوده مياه البحر وأدركم الغرق والهلاك . ونجى الله المؤمنين ، وأذل الكافرين . وجعل من ذلك عظة وعبرة لمن اعتبر ، فمن آمن بالله وجاهد في سبيله ؛ كان في كنف الله ورعايته ، ومن كفر بآيات الله وخرج عن طريق هدايته ؛ أعد الله له العذاب والنكال . ونظر بنو إسرائيل في دهشة إلى مصرع الجبابرة العتاة ، ثم نجى الله فرعون ببدنه ؛ ليكون آية لمن خلفه ، ودليلا على أن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .

موسى والسامري

ترك موسى قومه وذهب لميعاد ربه عاجلا مشتاقا لمناجاة ربه وانتهز السامري الفرصة فصنع لبني إسرائيل عجلا من الذهب بطريقة فنية تجعل الريح تمر فيه فتحدث صوتا وخوارا .

وقال لهم : إن موسى لن يعود إليكم ؛ لقد ذهب لمقابلة ربه فضل الطريق إليه ، وهذا هو إلهكم وإله موسى ؛ وفتن بنو إسرائيل بعبادة العجل ، فقد ألفوا الذل وطاعة فرعون .

وعاد موسى غضبان أسفا يلوم هارون على تباطئه عن إخماد هذه الفتنة فاعتذر هارون بأنه صبر حتى يعود موسى فيلتئم الشمل وتعود الوحدة إلى الجماعة .

وتوعد موسى السامري بالعذاب والنكال وأمر بطرده من محلة بني إسرائيل ، فخرج طريدا هو وأهله إلى البراري ثم أتى موسى بالعجل فحرقه بالنار ، ونسف رماده في اليم ؛ ليبين لقومه أن مثل هذا لا يصح أن يتخذ إلها : { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما } . ( طه : 98 ) .

مشاهد القيامة وختام السورة

بدأت سورة طه بمقدمة في بيان : جلال الله وقدرته وعلمه الواسع في الآيات من 1-8 .

ثم تحدثت عن رسالة موسى وجهاده في مصر ، وجهوده مع بني إسرائيل في الآيات من 9-98 .

وبعد قصة موسى تجيء الآيات 99-114 تعقيب على هذه القصة ببيان : فضل القرآن ، وعاقبة من يعرض عنه ، وترسم الآيات هذه العاقبة في مشهد من مشاهد القيامة ، تتضاءل فيه أيام الحياة الدنيا ، وتتكشف الأرض من جبالها وتعرى ، وتخشع الأصوات للرحمن ، وتعنوا الوجوه للحي القيوم ، لعل هذا المشهد وما في القرآن من وعيد يثير مشاعر التقوى في النفوس ، ويذكرها بالله ويصلها به . وينتهي هذا المقطع بإراحة بال الرسول صلى الله عليه وسلم من القلق من ناحية القرآن الذي ينزل عليه ، فلا يعجل في ترديده ؛ خوف أن ينساه ، ولا يشقى بذلك فالله ميسره وحافظه إنما يطلب من ربه أن يزيده علما .

وبمناسبة حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يردد ما يوحى إليه قبل انتهاء الوحي خشية النسيان ، تعرض الآيات 115-123 نسيان آدم لعهد الله وتنتهي بإعلان العداوة بينه وبين إبليس وعاقبة من يتذكرون عهد الله ومن يعرضون عنه من ولد آدم . وترسم الآيات هذه العاقبة في مشهد من مشاهد القيامة كأنما هو نهاية الرحلة التي بدأت في الملإ الأعلى ، ثم تنتهي إلى هناك مرة أخرى . . . وفي ختام السورة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن إعراض المعرضين وتكذيب المكذبين فلا يشقى بهم فلهم أجل معلوم . ولا يحفل بما أوتوه من متاع في الحياة الدنيا فهو فتنة لهم ، وينصرف إلى عبادة الله وذكره فترضى نفسه وتطمئن ولقد هلكت القرون من قبلهم ، وشاء الله أن يعذر إليهم بالرسول الأخير ، فلينفض يده من أمرهم ، وليعلن إليهم أنه متربص بهم ذلك المصير فليتربصوا هم كيف يشاءون : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى . قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى } . ( طه : 135 ، 134 ) .

وبذلك تختم السورة التي حددت وظيفة القرآن في بدايتها : { إلا تذكرة لمن يخشى } .

وأكدت هذه الوظيفة في نهايتها فهي التذكرة الأخيرة لمن تنفعه التذكرة وليس بعد البلاغ إلا انتظار العاقبة والعاقبة بيد الله .

وقد كانت قصة موسى ونهاية فرعون في خلال السورة تحقيقا لهذا المعنى وتأكيدا لفوز المؤمنين ومصرع المكذبين ، وبذلك يتناسق المطلع والختام وتكون السورة أشبه بموضوع له مقدمة ، ثم قصة تؤيد المقدمة ، ثم خاتمة تؤكد الموضوع . وظهر أن بين أجزاء السورة وحدة فكرية خلاصتها : شمول فضل الله ورحمته وعطفه لأحبابه المؤمنين ، وإيقاع نقمته وعذابه بالكافرين والمكذبين .

سورة طه

سورة طه سورة مكية إلا آيتي 131 ، 130 فمدنيتان وآياتها 135 آية نزلت بعد سورة مريم .

وغرض السورة : تركيز العقيدة ، والدعوة إلى التوحيد ، والإيمان بالنبوة وبالبعث ، وفي بدايتها بيان : فضل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قصة موسى من حلقة الرسالة ، وحلقة إيمان السحرة ، ومناقشة فرعون ، وحيل السامري وضلاله ، ثم حلقة من قصة آدم عليه السلام ، ثم عرض مشاهد القيامة .

وأسلوب السورة سهل رضي رخي ، وتنتهي الآيات بالألف اللينة في انسياب وفضل من الله على أنبيائه ورسله .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ طه ( 1 ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( 2 ) إلا تذكرة لمن يخشى ( 3 ) تنزيلا ممّن خلق الأرض والسماوات العلى ( 4 ) الرحمن على العرش استوى ( 5 ) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( 6 ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى ( 7 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( 8 ) }

التفسير :

1- طه .

هذه الحروف المقطعة في فواتح السور للعلماء فيها رأيان رئيسيان :

الأول : أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه .

الثاني : أن لها معان وتعددت آراء العلماء في معانيها .

( أ‌ ) قيل : هي أدوات للتنبه كالجرس الذي يُقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة فهي مثل ألا الاستفتاحية .

( ب‌ ) قيل : حروف للتحدي والإعجاز ، وبيان : أن القرآن مركب من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله .

( ج ) وقيل : هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته .

( د ) وقيل : هي علامة على انتهاء سورة وابتداء أخرى .

وقال ابن عباس : طه : معناها : يا رجل .

وقال آخرون : هي اسم للرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

وقيل : معناها : طإ الأرض بقدميك