نزلت سورة طه بعد سورة مريم ، وقد نزلت سورة مريم فيما بين الهجرة إلى الحبشة وحادثة الإسراء ، فيكون نزول سورة طه في ذلك التاريخ أيضا . أي : بعد السنة السابعة من البعثة وقبل السنة الحادية عشرة من البعثة .
وفي المصاحف المطبوعة بالقاهرة : سورة طه مكية إلا آيتي : 131 ، 130 فمدنيتان ، وآياتها 135 آية ، نزلت بعد مريم .
وقال الفيروزبادي : السورة مكية إجماعا ، وكلماتها 1341 كلمة ولها اسمان : طه ؛ لافتتاح السورة بها ، وسورة موسى ؛ لاشتمالها على قصته مفصلة . 1 .
قيل : معناها : يا رجل ، وقيل : معناها : يا إنسان ، وقال آخرون : هي اسم من أسماء الله وقد أقسم الله به ، وقال آخرون : هي حروف مقطعة مكونة من الطاء والهاء يدل كل حرف منها على معنى واختلفوا في ذلك المعنى اختلافهم في المص وقد ذكرنا ذلك في التعريف بسورة الأعراف ، قال ابن جرير الطبري : والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال : معناها : يا رجل ؛ لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني وأن معناها : يا رجل . 2 .
وقيل : أصله طأها على أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه كان يقوم الليل حتى ورمت قدماه من طول القيام . قد أبدلت الألف من الهمزة ، والهاء كناية عن الأرض . 3 .
والمعنى : طإ الأرض بقدميك يا محمد ، وهون على نفسك في القيام وارأف بنفسك ؛ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به تعبا ، بل لتسعد به وتذكر به الناس .
تيسير الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان : فضل الله الواسع على رسله وأصفيائه وبيان وظيفة الرسول وحصرها في الدعوة والتذكرة والتبشير والإنذار ، ثم ترك أمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره ، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه ، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها ، الذي تعنوا له الجباه ، ويرجع إليه الناس : طائعهم وعاصيهم . . فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر ، ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون .
ثم تعرض السورة قصة موسى من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر مفصلة مطولة ، وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى ، وموقف الجدل بين موسى وفرعون وموقف المباراة بين موسى والسحرة . . وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه ، وقال له ولأخيه : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } . ( طه : 46 ) .
ثم تعرض السورة قصة آدم سريعة قصيرة ، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته ، وهدايته له ، وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار .
وتحيط بقصة آدم مشاهد القيامة ، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملإ الأعلى من خلق آدم ؛ حيث يعود الطائعون من ذريته إلى الجنة ، ويذهب العصاة من ذريته إلى النار ؛ تصديقا لما قيل لأبيهم آدم وهو يهبط إلى الأرض بعد خروجه من الجنة .
ونلحظ أن السياق يمضي في هذه السورة في شوطين اثنين :
الشوط الأول : يتميز مطلع الصورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى } . ( طه : 3 ، 2 ) .
ثم تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته .
والشوط الثاني : يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى . ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة .
وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله . . ظل علوي جليل تخشع له القلوب ، وتسكن له النفوس ، وتعنوا له الجباه . . إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على عبده موسى بالوادي المقدس . في تلك المناجاة الطويلة ، والليل ساكن وموسى وحيد ، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل . . وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم : { وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } . ( طه : 108 ) .
{ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما } . ( طه : 111 ) .
والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا . 4 .
بدأت سورة طه بمقدمة مؤثرة عن القرآن وعن صفات الله وأسمائه الحسنى ، ثم قص الله على رسوله حديث موسى . نموذجا لرعايته للمختارين ؛ لحمل دعوته وقصة موسى هي أكثر القصص ورودا في القرآن .
وهي تعرض في حلقات تناسب السورة التي تعرض فيها وجوها وظلها . وقد وردت حلقات منها حتى الآن في سورة البقرة وسورة المائدة وسورة والأعراف وسورة يونس وسورة الإسراء وسورة الكهف وذلك غير الإشارات إليها في سور أخرى .
وما جاء منها في المائدة كان حلقة واحدة : حلقة وقوف بني إسرائيل أمام الأرض المقدسة لا يدخلون فيها ؛ لأن فيها قوما جبارين .
وفي سورة الكهف كانت كذلك حلقة واحدة ، حلقة لقاء موسى للعبد الصالح وصحبته فترة وقد سبق الحديث عنها في دروس من سورة الكهف بعنوان : قصة موسى والخضر .
فأما في البقرة والأعراف ويونس وفي هذه السورة- طه- فقد وردت منها حلقات كثيرة ولكن هذه الحلقات تختلف في سورة عنها في الأخرى . تختلف الحلقات المعروضة . كما يختلف الجانب الذي تعرض منه تنسيقا له مع اتجاه السورة التي يعرض فيها .
وفي البقرة سبقتها قصة آدم وتكريمه في الملإ الأعلى . . . فجاءت قصة موسى وبني إسرائيل ؛ تذكيرا لبني إسرائيل بنعمة الله عليهم وعهده إليهم وإنجائهم من فرعون وملئه ، واستسقائهم وتفجير الينابيع لهم ، وإطعامهم المن والسلوى . وذكرت عدوانهم في السبت وقصة البقرة ، وفي الأعراف سبقها الإنذار وعواقب المكذبين بالآيات قبل موسى عليه السلام فجاءت قصة موسى تعرض ابتداء من حلقة الرسالة . وتعرض فيها آيات العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع وتعرض حلقة السحرة بالتفصيل ، وخاتمة فرعون وملئه المكذبين ، وفي يونس سبقها عرض مصارع المكذبين ، ثم عرض منها حلقات ثلاث : حلقة الرسالة ، وحلقة السحرة ، وحلقة غرق فرعون .
أما هنا في سورة طه فقد كان مطلع السورة يشف عن رحمة الله ورعايته لمن يصطفيهم لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، فجاءت القصة مظللة بهذا الظل تبدأ بمشهد المناجاة ، وتتضمن نماذج من رعاية الله لموسى في طفولته وشبابه ورجولته ، وتثبيته وتأييده وحراسته وتعهده .
ولد موسى في مصر ونما وترعرع في بيت فرعون ثم قتل قتيلا خطأ فخرج هاربا إلى أرض مدين وهناك تزوج بنت نبي الله شعيب ومكث في أرض مدين عشر سنين . ثم عاد بأهله إلى مصر .
وفي الطريق أدركته عناية الله ومن الله عليه بالرسالة والعناية . . وناداه . { إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى . وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى }ز ( طه : 13 ، 12 ) .
وهذا الوحي يتعلق بثلاثة أمور مترابطة : الاعتقاد بالوحدانية ، والتوجه بالعبادة ، والإيمان بالساعة وهي أسس رسالة الله الواحدة . ومن نداء الله لموسى . { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري . إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى } . ( طه : 15 ، 14 ) .
وخص الله موسى بمعجزات ظاهرة ، وآيات باهرة ؛ أمره الله أن يلقى عصاه فألقاها فإذا هي حية تسعى ، نمت وعظمت حتى غدأت في جلادة الثعبان ، وضخامة الجان5 . لمحها موسى فاشتد خوفه فناداه الله : { خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } . ( طه : 21 ) .
ثم أدخل موسى يده تحت إبطه فخرجت بيضاء بياضا يغلب نور الشمس ليس فيها بهاق أو برص أو مرض وتمت لموسى معجزتان هما اليد والعصا ، فرأى آيات الله الكبرى ، واطمأن للنهوض بالتبعة العظمى .
أمر الله موسى أن يذهب إلى فرعون رسولا وداعيا إلى الهدى ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله وبالنار لمن عصاه .
فطلب موسى من ربه أن يشرح له صدره وأن ييسر له أمره وأن يحل حبسة لسانه ؛ ليفقه الناس قوله وأن يمن الله عليه بمعين من أهله هو وأخوه هارون .
واستجاب الله دعاء موسى وحباه بفضل زائد وذكره بأفضاله عليه صغيرا وناشئا حيث نجاه عندما قتل قتيلا خطأ وألقى عليه المحبة ورباه برعايته وصنعه بعين عنايته . . قال سبحانه : { وألقيت عليك محبة منّى ولتصنع على عيني } . ( طه : 39 ) .
وكانت عناية الله معه في شبابه حين نجاه من كيد أتباع فرعون ، وكانت عناية الله معه في رحلته إلى أرض مدين ثم في عودته إلى أرض مصر على موعد وتدبير إلهي . . قال تعالى : { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى . واصطنعتك لنفسي } . ( طه : 41 ، 40 ) .
وكلف الله موسى أن يذهب مع أخيه هارون إلى فرعون بعد أن طغى فرعون وتجبر ؛ ليقولا له قولا لينا لا يهيج الكبرياء الزائف ولا يثير العزة بالإثم ، لعل قلبه أن يتعظ أو يتذكر .
توجه موسى وهارون إلى فرعون ؛ ليبلغاه رسالة الله رب العالمين .
فقال فرعون : { فمن ربكما يا موسى } . ( طه : 49 ) .
فأجاب موسى : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } . ( طه : 50 ) .
وهي إجابة تلخص أكمل آثار الألوهية الخالقة المدبرة لهذا الوجود : هبة الوجود لكل موجود ، وهبة خلقه على الصورة التي خلق بها ، وهبة هدايته للوظيفة التي خلق لها .
وثنى فرعون بسؤال آخر : { قال فما بال القرون الأولى } . ( طه : 51 ) .
ما شأن القرون التي مضت من الناس ؟ أين ذهبت ؟ ومن كان ربها ؟ وما يكون شأنها وقد هلكت لا تعرف إلهها هذا ؟
وأجاب موسى : إن علمها عند الله الذي لا تخفى عليه خافية وقد سجل عملها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وقد تفضل الله على الناس بالنعم المتعددة ؛ فمهد لهم الأرض وذلل سبلها ، وأنزل الماء من السماء ؛ فأجرى به نهر النيل وغيره من الأنهار ؛ ليخرج بالماء أزواجا متعددة من النباتات يستفيد منها الإنسان والحيوان ، وقد خلق الإنسان من الأرض ، ثم رزق من نباتها ومائها ، ثم يعود إليها ، ثم يبعث منها يوم القيامة .
عرض موسى هذه الآيات الكونية أمام فرعون وأراه المعجزات الظاهرة الملموسة من اليد والعصا .
ولكن فرعون قابل هذه المعجزات الواضحة ، والحجج البالغة ، بالجحود والكنود وأخذ فرعون يكيل التهم لموسى ، ويسفه دعوته ويصفه بالطمع في الملك ، ويصف معجزاته بأنها سحر ظاهر مبين .
توعد فرعون موسى بأن يجمع له السحرة من كل مكان ؛ ليبطلوا سحره ويظهروا عجزه . وقبل موسى التحدي ، وحدد يوم العيد واجتماع الناس في زينتها الجديدة موعدا للمبارزة ؛ حتى يشيع الحق ويظهر ظهور الشمس .
وجمعت السحرة في يوم العيد ولم يتخلف واحد منهم ، فإذا بهم آلاف مع كل واحد منهم حبل وعصا وخيروا موسى قائلين : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى } . ( طه : 65 ) .
فترك لهم موسى فرصة البدء واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة .
فتقدم السحرة وألقوا ما في أيديهم من حبال فتحركت الحبال وماجت بها الساحة وسحرت عيون المشاهدين وملأتهم بالرهبة والإجلال لهذا العمل العظيم .
وخشي موسى أن يخدع الناس عن الحق وأدركه خوف الداعية على دعوته ؛ فذكره الله بأن معه قوة كبرى ، وبأنه على الحق وعدوه على الباطل ، وبأنه رسول مؤيد بالمعجزة ، وعدوه ساحر مضلل مخادع .
{ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى . وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى } . ( طه : 69 ، 68 ) .
وألقى موسى عصاه فابتلعت أعمال السحرة في سرعة مذهلة وأدرك السحرة أن عمل موسى ليس سحرا ولكنه معجزة وبرهان من الله على صدق رسالته ، فإذا بهم يخرون لله ساجدين ؛ توبة عما صنعوا ، وخشوعا لهيبة الحق ، وإكبارا لذلك الأمر الخطير ، وإيمانا بالله رب العالمين .
وعندئذ غلت مراجل الحقد والحفيظة في صدر فرعون ، ولام السحرة على إيمانهم بموسى ، قبل أن يأذن لهم ، وقال : إنه أستاذكم وكبيركم الذي علمكم السحر ، فاتفقتم معه على فعلكم ومؤامرتكم : { فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى } . ( طه : 71 ) .
ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان ، كان نور الإيمان قد تخلل صدورهم فوصلهم بخالقهم فزهدوا في عرض الدنيا وسلطانها ، وتطلعت قلوبهم إلى مرضاة الله ، وفضلوا ثواب الآخرة على كل ما عداه وقالوا : إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } . ( طه : 73 ) .
استمر موسى في أداء رسالته وقيامه بواجب دعوته ، وقد اشتد إيذاء فرعون وأتباعه للمؤمنين فاسغاثوا بموسى ، فخرج موسى بهم ليلا إلى الأرض المقدسة وقد سهل الله إليها طريقهم ، واعترض البحر سبيلهم فاستغاثوا بموسى قائلين : البحر أمامنا وفرعون وراءنا ! فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر فضربه بعصاه فتولت قدرة الله أن تيسر لهم في البحر اثني عشر طريقا يابسا ممهدا للسير فسار كل فريق في طريق وحفظتهم عناية الله من فرعون ، وحين حاول فرعون اللحاق بهم أطبقت عليه وعلى جنوده مياه البحر وأدركم الغرق والهلاك . ونجى الله المؤمنين ، وأذل الكافرين . وجعل من ذلك عظة وعبرة لمن اعتبر ، فمن آمن بالله وجاهد في سبيله ؛ كان في كنف الله ورعايته ، ومن كفر بآيات الله وخرج عن طريق هدايته ؛ أعد الله له العذاب والنكال . ونظر بنو إسرائيل في دهشة إلى مصرع الجبابرة العتاة ، ثم نجى الله فرعون ببدنه ؛ ليكون آية لمن خلفه ، ودليلا على أن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
ترك موسى قومه وذهب لميعاد ربه عاجلا مشتاقا لمناجاة ربه وانتهز السامري الفرصة فصنع لبني إسرائيل عجلا من الذهب بطريقة فنية تجعل الريح تمر فيه فتحدث صوتا وخوارا .
وقال لهم : إن موسى لن يعود إليكم ؛ لقد ذهب لمقابلة ربه فضل الطريق إليه ، وهذا هو إلهكم وإله موسى ؛ وفتن بنو إسرائيل بعبادة العجل ، فقد ألفوا الذل وطاعة فرعون .
وعاد موسى غضبان أسفا يلوم هارون على تباطئه عن إخماد هذه الفتنة فاعتذر هارون بأنه صبر حتى يعود موسى فيلتئم الشمل وتعود الوحدة إلى الجماعة .
وتوعد موسى السامري بالعذاب والنكال وأمر بطرده من محلة بني إسرائيل ، فخرج طريدا هو وأهله إلى البراري ثم أتى موسى بالعجل فحرقه بالنار ، ونسف رماده في اليم ؛ ليبين لقومه أن مثل هذا لا يصح أن يتخذ إلها : { إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما } . ( طه : 98 ) .
بدأت سورة طه بمقدمة في بيان : جلال الله وقدرته وعلمه الواسع في الآيات من 1-8 .
ثم تحدثت عن رسالة موسى وجهاده في مصر ، وجهوده مع بني إسرائيل في الآيات من 9-98 .
وبعد قصة موسى تجيء الآيات 99-114 تعقيب على هذه القصة ببيان : فضل القرآن ، وعاقبة من يعرض عنه ، وترسم الآيات هذه العاقبة في مشهد من مشاهد القيامة ، تتضاءل فيه أيام الحياة الدنيا ، وتتكشف الأرض من جبالها وتعرى ، وتخشع الأصوات للرحمن ، وتعنوا الوجوه للحي القيوم ، لعل هذا المشهد وما في القرآن من وعيد يثير مشاعر التقوى في النفوس ، ويذكرها بالله ويصلها به . وينتهي هذا المقطع بإراحة بال الرسول صلى الله عليه وسلم من القلق من ناحية القرآن الذي ينزل عليه ، فلا يعجل في ترديده ؛ خوف أن ينساه ، ولا يشقى بذلك فالله ميسره وحافظه إنما يطلب من ربه أن يزيده علما .
وبمناسبة حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يردد ما يوحى إليه قبل انتهاء الوحي خشية النسيان ، تعرض الآيات 115-123 نسيان آدم لعهد الله وتنتهي بإعلان العداوة بينه وبين إبليس وعاقبة من يتذكرون عهد الله ومن يعرضون عنه من ولد آدم . وترسم الآيات هذه العاقبة في مشهد من مشاهد القيامة كأنما هو نهاية الرحلة التي بدأت في الملإ الأعلى ، ثم تنتهي إلى هناك مرة أخرى . . . وفي ختام السورة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن إعراض المعرضين وتكذيب المكذبين فلا يشقى بهم فلهم أجل معلوم . ولا يحفل بما أوتوه من متاع في الحياة الدنيا فهو فتنة لهم ، وينصرف إلى عبادة الله وذكره فترضى نفسه وتطمئن ولقد هلكت القرون من قبلهم ، وشاء الله أن يعذر إليهم بالرسول الأخير ، فلينفض يده من أمرهم ، وليعلن إليهم أنه متربص بهم ذلك المصير فليتربصوا هم كيف يشاءون : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى . قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى } . ( طه : 135 ، 134 ) .
وبذلك تختم السورة التي حددت وظيفة القرآن في بدايتها : { إلا تذكرة لمن يخشى } .
وأكدت هذه الوظيفة في نهايتها فهي التذكرة الأخيرة لمن تنفعه التذكرة وليس بعد البلاغ إلا انتظار العاقبة والعاقبة بيد الله .
وقد كانت قصة موسى ونهاية فرعون في خلال السورة تحقيقا لهذا المعنى وتأكيدا لفوز المؤمنين ومصرع المكذبين ، وبذلك يتناسق المطلع والختام وتكون السورة أشبه بموضوع له مقدمة ، ثم قصة تؤيد المقدمة ، ثم خاتمة تؤكد الموضوع . وظهر أن بين أجزاء السورة وحدة فكرية خلاصتها : شمول فضل الله ورحمته وعطفه لأحبابه المؤمنين ، وإيقاع نقمته وعذابه بالكافرين والمكذبين .
سورة طه سورة مكية إلا آيتي 131 ، 130 فمدنيتان وآياتها 135 آية نزلت بعد سورة مريم .
وغرض السورة : تركيز العقيدة ، والدعوة إلى التوحيد ، والإيمان بالنبوة وبالبعث ، وفي بدايتها بيان : فضل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قصة موسى من حلقة الرسالة ، وحلقة إيمان السحرة ، ومناقشة فرعون ، وحيل السامري وضلاله ، ثم حلقة من قصة آدم عليه السلام ، ثم عرض مشاهد القيامة .
وأسلوب السورة سهل رضي رخي ، وتنتهي الآيات بالألف اللينة في انسياب وفضل من الله على أنبيائه ورسله .
{ طه ( 1 ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( 2 ) إلا تذكرة لمن يخشى ( 3 ) تنزيلا ممّن خلق الأرض والسماوات العلى ( 4 ) الرحمن على العرش استوى ( 5 ) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( 6 ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى ( 7 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( 8 ) }
هذه الحروف المقطعة في فواتح السور للعلماء فيها رأيان رئيسيان :
الأول : أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه .
الثاني : أن لها معان وتعددت آراء العلماء في معانيها .
( أ ) قيل : هي أدوات للتنبه كالجرس الذي يُقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة فهي مثل ألا الاستفتاحية .
( ب ) قيل : حروف للتحدي والإعجاز ، وبيان : أن القرآن مركب من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله .
( ج ) وقيل : هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته .
( د ) وقيل : هي علامة على انتهاء سورة وابتداء أخرى .
وقال ابن عباس : طه : معناها : يا رجل .