تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
الإعلام بإمهال المدعوين والحلم عنهم والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم زيادة في شرف داعيهم صلى الله عليه وسلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تبدأ هذه السورة وتختم خطابا للرسول [صلى الله عليه وسلم] ببيان وظيفته وحدود تكاليفه.. إنها ليست شقوة كتبت عليه، وليست عناء يعذب به. إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأمر الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره. المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها. الذي تعنو له الجباه، ويرجع إليه الناس: طائعهم وعاصيهم.. فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر؛ ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون. وبين المطلع والختام تعرض قصة موسى عليه السلام من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة؛ وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى -وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة... وتتجلى في غضون القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه، وقال له ولأخيه: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)..
وتعرض قصة آدم سريعة قصيرة، تبرز فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار...
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة. وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم. حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار. تصديقا لما قيل لأبيهم آدم، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان! ومن ثم يمضي السياق في هذه السورة في شوطين اثنين: الشوط الأول يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى...) تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته. والشوط الثاني يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى. ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة. وللسورة ظل خاص يغمر جوها كله.. ظل علوي جليل، تخشع له القلوب، وتسكن له النفوس، وتعنو له الجباه.. إنه الظل الذي يخلعه تجلي الرحمن على الوادي المقدس على عبده موسى، في تلك المناجاة الطويلة؛ والليل ساكن وموسى وحيد، والوجود كله يتجاوب بذلك النجاء الطويل.. وهو الظل الذي يخلعه تجلي القيوم في موقف الحشر العظيم: (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا).. (وعنت الوجوه للحي القيوم).. والإيقاع الموسيقي للسورة كلها يستطرد في مثل هذا الجو من مطلعها إلى ختامها رخيا شجيا نديا بذلك المد الذاهب مع الألف المقصورة في القافية كلها تقريبا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
احتوت من الأغراض على: التحدي بالقرآن بذكر الحروف المقطعة في مفتتحها والتنويه بأنه تنزيل من الله لهدي القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.
والتنويه بعظمة الله تعالى. وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس. فضرب المثل لنزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بكلام الله موسى عليه السلام
وبسط نشأة موسى وتأييد الله إياه ونصره على فرعون بالحجة والمعجزات وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه.
وإنجاء الله موسى وقومه، وغرق فرعون، وما أكرم الله به بني إسرائيل في خروجهم من بلد القبط.
وقصة السامري وصنعه العجل الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى عليه السلام وكل ذلك تعويض بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه. فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد من أعرضوا عن القرآن ولم تنفعهم أمثاله ومواعظه.
ورتب على ذلك سوء الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مقادتهم بيد الشيطان وإنذارهم بسوء العقاب في الدنيا.
وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه وتثبيته على الدين.
وتخلل ذلك إثبات البعث. وتهويل يوم القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتخفيف عنه. وسلسلة طويلة تحتوي قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل وقصة آدم وإبليس في معرض التسلية وضرب المثل والعظة والإنذار. وفيها حكاية لبعض مواقف الكفار وبيان لمصيرهم ومصير المتقين. وفصول السورة مترابطة منسجمة كما أن آياتها متماثلة في التسجيع وأكثر مقاطعها متوازنة مقفاة؛ مما يسوغ إنها نزلت فصولا متلاحقة. وفيها آية معترضة تعلّم النبي صلى الله عليه وسلم أدب تلقي القرآن. ومشابهة لآيات سورة القيامة [16_ 19].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
تثير هذه السورة في آياتها العمق الإنساني للنفس البشرية لمواجهة مسألة المصير الأخروي من مواقع الاهتمام والجدية، ومسألة الواقع الدنيوي من موقع المسؤولية، وذلك من خلال توجيه القلب والعقل والوجدان للقرآن الذي هو الكتاب الإلهي الذي أنزله الله على قلب رسوله، ليدعو به الناس إلى تعاليمه بطريقة متوازنة واقعية، لا تصل إلى مستوى الإجهاد الذي يشقي البدن، في وقت يريد الله القرآن تذكرة للذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب..
ثم تنطلق السورة لتثير أمام القلب البشري التصور الإسلامي القرآني عن الله، ليبقى الإنسان، من خلال التصور الشامل العميق، واعياً لمسؤوليته في إحساسه بالحضور الإلهي الذي {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 6 -7].
ثم ينفتح على الرسالة في شخصية الرسول، فنلتقي بالنبي موسى (عليه السلام) في دعوته إلى الله ومعاناته في سبيل ذلك، وفي حركته القوية التي تصدم الواقع الطاغي، بالكلمة والأسلوب والموقف، وفي حيوية شخصيته التي تتميز بالإخلاص والتواضع والعفوية الرسالية، والقوة المتحركة في أكثر من اتجاه.. وهكذا تتنوع الصور والمواقف وتطل من خلالها على قومه وكيف واجهوه من موقع التخلُّف الفكري، ليزيد ذلك من التذكير بخشية الله، والانفتاح على تعاليمه وآياته...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين نزلت في مكّة، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج التوحيد وتعاسات الشرك.
في القسم الأوّل، تشير هذه السورة إِشارة قصيرة إِلى عظمة القرآن، وبعض صفات الله الجلالية والجمالية.
أمّا القسم الثّاني الذي يتضمّن أكثر من ثمانين آية فيتحدث عن قصة موسى (عليه السلام)، من حين بعثته، إِلى نهوضه لمقارعة فرعون الجبار وأعوانه، إِلى مواجهه السحرة وإِيمانهم. ثمّ إِغراق الله فرعون وأتباعه بصورة إِعجازية، ونجاة موسى والذين آمنوا به. ثمّ تبيّن حادثة عبادة بني إِسرائيل للعجل، والمواجهة بين هارون وموسى وبين بني إِسرائيل.
وفي القسم الثّالث جاءت بعض المسائل حول المعاد، وجانب من خصوصيات القيامة.
وفي القسم الرّابع الحديث عن القرآن وعظمته.
وفي القسم الخامس تصف الآيات قصّة آدم وحواء في الجنّة، ثمّ حادثة وسوسة إِبليس، وأخيراً هبوطهما إِلى الأرض.
وفي القسم الأخير، تبيّن السورة المواعظ والنصائح، لكل المؤمنين، مع توجيه الخطاب في كثير من الآيات إِلى نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: طَهَ؛ فقال بعضهم: معناه يا رجل... وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله، وقَسَم أقسم الله به... وقال آخرون: هو حروف هجاء... وقال آخرون: هو حروف مقطّعة يدلّ كلّ حرف منها على معنى،... والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه: قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في عكَ فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل...فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين... فتأويل الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل، وذُكِر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النَّصب والعناء والسهر في قيام الليل... عن قتادة "مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى "لا والله ما جعله الله شقيا، ولكن جعله رحمة ونورا، ودليلا إلى الجنة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
اختلف الناس في قوله {طه} بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك: إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ. ب. ج. د. فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد {طه} من الكلام لا يصح أن يكون خبراً عن {طه} واختصت أيضاً {طه} بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة، فمنها قول من قال {طه} اسم من أسماء محمد عليه السلام، وقول من [قال] {طه} معناه «يا رجل بالسريانية» وقيل بغيرها من لغات العجم، وحكي أنها لغة يمنية في عك...
وقالت فرقة: سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح بين قدميه فقيل له: طأ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، فالضمير في {طه} للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة، وقرأت «طه» وأصله:طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
هذه السورة والتي قبلها من أقدم السور المكية...إذا تقرر هذا، علم أن المقصود من السورة -كما تقدم- تشريف هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بإعلامه بالرفق بأمته، والإقبال بقلوبهم حتى يملأوا الأرض كثرة، كما أنزل عليهم السكينة وهم في غاية الضعف والقلة، وحماهم ممن يريد قتلهم، ولين قلب عمر رضي الله عنه بعد ما كان فيه من الغلظة وجعله وزيراً، ثم حماه بعدوه، وتأمينه صلى الله عليه وسلم من أن يستأصلوا بعذاب، وبأنه يموت نبيهم قبلهم لا كما وقع للمهلكين من قوم نوح وهود عليهما السلام ومن بعدهم -بما دل عليه افتتاح هذه بنفي الشقاء وختم تلك بجعل الود وغير ذلك، والداعي إلى هذا التأمين أنه سبحانه لما ختم تلك بإهلاك القرون وإبادة الأمم بعد إنذار القوم اللد، ولم يختم سورة من السور الماضية بمثل ذلك، كان ربما أفهم أنه قد انقضت مدتهم، وحل بوارهم، وأتى دمارهم، وأنه لا يؤمن منهم- لما هم فيه من اللدد -إلا من قد آمن، فحصل بذلك من الغم والحزن ما لا يعلم قدره إلا الله، لأن الأمر كان في ابتدائه، ولم يسلم منهم إلا نفر يسير جداً.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
الإيضاح: {طه} تقدم أن قلنا إن أصح الآراء في الحروف المقطعة التي في أوائل السور أنها حروف تنبيه كألا ويا ونحوهما مما يذكر في أوائل الجمل لقصد تنبيه المخاطب إلى ما يلقى بعدها لأهميته وإرادة إصغائه إليه نحو ما جاء في قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس:62].
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
مطلع رخي ندي. يبدأ بالحروف المقطعة: طا. ها، للتنبيه إلى أن هذه السورة كهذا القرآن -مؤلفة من مثل هذه الحروف على نحو ما أوردنا في مطالع السور. ويختار هنا حرفان ينتهيان بإيقاع كإيقاع السورة، ويقصران ولا يمدان لتنسيق الإيقاع كذلك. يتلو هذين الحرفين حديث عن القرآن- كما هو الحال في السور التي تبدأ بالحروف المقطعة -في صورة خطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم].
فالبعض يرى أنها حروف متصلة، وهي اسم من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، وآخرون يرون أنها حروف مقطعة مثل (الم) ومثل (يس) فهي حروف مقطعة، إلا أنها صادفت اسما من الأسماء كما في (ن) حرف وهو اسم للحوت: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا.. (87)} (الأنبياء)... إذن: لا مانع أن تدل هذه الحروف على اسم من الأسماء، فتكون (طه) اسما من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، وأن بعدها: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} (طه). لكن تلاحظ هنا مفارقة، حيث نطق الطاء والهاء بدون الهمزة، مع أنها حروف مقطعة مثل ألف لام ميم، لكن لم ينطق الحرف كاملا، لأنهم كانوا يستثقلون الهمز فيخففونها، كما في ذئب يقولون: ذيب وفي بئر، يقولون: بير، وهذا النطق يرجح القول بأنها اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.