سورة طه{[1]}
مقصودها الإعلام بإمهال المدعوين [ والحلم عنهم -{[2]} ]والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم زيادة في شرف داعيهم صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا المقصد الشريف دل اسمها بطريق الرمز والإشارة ، لتبين أهل الفطنة والبصارة . وذلك بما في أولها من الحروف المقطعة ، وذلك أنه لما كان ختام سورة مريم حاملا على الخوف من أن تهلك أمته صلى الله عليه وسلم قبل ظهور أمره الذي أمره الله به واشتهار دعوته ، لقلة من آمن به منهم ، ابتدأه سبحانه بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين العلييين إلى قوة أمره وانتشاره وعلوه وكثرة أتباعه ، لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفا ، وأشدها حركة ، وأوسعها انتشارا ، وبما فيها من صفات{[3]} الجهر والإطباق والاستعلاء وأوسعها والقلقلة إلى انقلاب ما هو فيه من الأسرار جهرا ، وما هو فيه من الرقة فخامة ، لأنها من حروف التفخيم وأنه يستعلى أمره ، وينتشر ذكره ، حتى يطبق جميع الوجود / ويقلقل{[4]} سائر الأمم ، ولكن يكون ذلك – بما تشير إليه الهاء بمخرجها من أقصى الحلق – على [ حد - {[5]} ] بعده من طرف اللسان مع طول كبير وتماد كثير ، وبما فيها من صفات الهمس والرخاوة والانفتاح والاستفال والخفاء مع مخافته وضعف كبير ، وهدوء وخفاء عظيم ، ومقاساة شدائد كبار ، مع نوع فخامة واشتهار ، وهو وإن كان اشتهارا يسيرا يغلب هذا الضعف [ كله وإن كان قويا شديدا . وقراءة الإمالة للهاء تشير إلى شدة الضعف-{[6]} ] وقراءة التفخيم – وهي لأكثر القراء – مشيرة إلى فخامة القدر وقوة الأمر{[7]} ، بما لها من الانفتاح وإن رئي أنه{[8]} ليس كذلك " إنه ليخافه ملك بني الأصفر{[9]} " وإن كان معنى الحرفين : يا رجل ، فهو إشارة إلى قوته وعلو قدره ، وفخامة ذكره ، وانتشار أتباعه وعموم أمره ، وإن كانا إشارة إلى وطئ الأرض فهو إلاحة إلى{[10]} قوة التمكن وعظيم القدرة وبعد الصيت حتى تصير{[11]} كلها ملكا له ولأتباعه ، وملكا لأمرائه وأشياعه – والله أعلم . وذكر ابن الفرات{[12]} في تاريخه أن هجرة الحبشة كانت في السنة الثامنة{[13]} من المبعث فالظاهر – على ما يأتي في إسلام عمر رضي الله عنه – أن نزول هذه السورة أو أولها كان قرب هجرة الحبشة ، فيكون سبحانه قد رمز له صلى الله عليه وسلم على ما هو ألذ في محادثة الأحباب ، من صريح الخطاب بعدد مسمى الطاء{[14]} إلى أن وهن الكفار – [ الوهن - {[15]} ] الشديد – يقع في السنة التاسعة من نزولها ، وذلك في [ غزوة بدر الموعد في سنة أربع من الهجرة ، وبعدد اسمها إلى ان الفتح الأول يكون في السنة الحادية عشرة من نزولها ، وذلك في -{[16]} ] عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة عند نزول سورة الفتح ، ، ورمز له بعدد مسمى الهاء إلى أن مبدأ النصرة بالهجرة في السنة الخامسة من نزولها ، وبعدد اسمها إلى ان نصره بالفعل يقع في السنة السابعة من نزولها ، وذلك في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة ، وبعدد حرفي اسمها{[17]} لا بعدد اسميهما إلى انه في السنة الثالثة عشرة من نزولها يكون بفتح الأكبر بالاستعلاء على مكة المشرفة التي كان سببا قريبا للاستعلاء على جميع الأرض ، وذلك في أواخرها في رمضان سنة ثمان من الهجرة ، وكان تمامه بفتح الطائف بإرسال وفدهم وإسلامهم وهدم طاغيتهم في سنة تسع ، وهي السنة الرابعة عشرة ، وبعدد اسميهما{[18]} إلى ان تطبيق أكثر الأرض بالإسلام يكون في السنة الثامنة عشرة من نزولها ، وذلك بخلافة عمر رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من الهجرة – والله أعلم ( بسم{[19]} ) الواسع الحلم التام القدرة {[20]}( الله ) الملك الأعظم{[21]} ( الرحمان )الذي استوى في أصل نعمته جميع خلقه ( الرحيم ) الذي أتم النعمة على أهل توفيقه ولطفه .
{ طه* } {[48841]}أي تخلص بالغ من كل{[48842]} ما يخشى وظهر عظيم وطيب منتشر في كل قطر إلى نهاية الوطن الذي هو التاسع ، ممن له الإحاطة التامة بكل غيب ، وإليه {[48843]}يرجع الأمر كله{[48844]} ، كما اجتمعت أسماؤه كلها في غيب{[48845]} هو الذي جعل العزة{[48846]} للمهتدين والهدى للمتقين .
هذه السورة{[48847]} والتي قبلها من أقدم السور المكية ، قال هشام في تهذيب السيرة{[48848]} : قال ابن اسحاق : حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أم أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالت : لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا وعبدنا الله تبارك وتعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا بينهم . فذكر إرسالهم إليه بهدايا ليردهم إليه ، وأن بطارقته كلموه في ذلك ، وأنه أبى حتى يسمع كلامهم ، وأنه طلبهم فأجمع أمرهم على أن{[48849]} يقولوا الحق كائناً فيه ما كان ، فدخلوا وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فقال لهم : ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم ولم تدخلوا به في دين أحد من هذه الملل . قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : أيها الملك ! كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا{[48850]} الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا{[48851]} رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم و حسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم . وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده{[48852]} لا نشرك به شيئاً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . قالت{[48853]} : فعدد عليه أمور الإسلام . فصدقناه{[48854]} وآمنا به ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان . فلما قهرونا وظلمونا خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك ! فقال له{[48855]} النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله شيء ؟ فقال له جعفر : نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه عليّ فقرأ عليه صدراً من كهيعص ، فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ؛ ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، ثم ذكر تأمينه لهم ورد هدايا قريش ورسلهم خائبين . وقال ابن هشام{[48856]} : وقال ابن إسحاق : فحدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة رضي الله عنها قالت : والله ! إنا لنترحل إلى أرض{[48857]} الحبشة وقد ذهب عامر رضي الله عنه في بعض حاجاتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليّ وهو على شركه ، وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا ، فقال : إنه الانطلاق يا أم عبد الله ؟ قلت : نعم ! والله لنخرجن في أرض الله ، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجاً ، فقال : صحبكم الله ، ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه{[48858]} فيما أرى خروجنا ، فجاء عامر رضي الله عنه بحاجته تلك فقلت له : يا أبا عبد الله ! لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا ! قال : أطمعت في إسلامه ؟ قلت : نعم ! قال : لايسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب .
يأساً منه . لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام ، قال ابن إسحاق{[48859]} : وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهم ، وكانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد و{[48860]}هم مستخفون بإسلامهم{[48861]} من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله بن النحام . رجل من قومه بني عدي بن كعب . قد أسلم رضي الله عنه ، وكان أيضاً يستخفي بإسلامه فرقاً من قومه ، وكان خباب بن الأرت رضي الله عنه يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوماً متوشحاً بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه رضي الله عنهم قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي الله عنهم أجمعين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله رضي الله عنه فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال أريد محمداً هذا الصابىء الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها{[48862]} فأقتله ، فقال له نعيم رضي الله عنه : والله ! لقد غرتك نفسك{[48863]} من نفسك{[48864]} ياعمر ! أترى بني عبد مناف{[48865]} تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأيّ أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما وتابعا محمداً على دينه فعليك بهما فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت رضي الله عنه وعنهما ، معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب بن الأرت رضي الله عنه في مخدع لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً ؟ قال : بلى ! والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد رضي الله عنه فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه رضي الله عنهما : نعم ! قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك ! فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما{[48866]} صنع فارعوى{[48867]} وقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً أنظر ما هذا{[48868]} الذي جاء به محمد ؟ وكان عمر كاتباً ، فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا نخشاك عليها ، قال : لاتخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له : يا أخي ! إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها ، فلما قرأ منها صدراً قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع ذلك خباب رضي الله عنه خرج إليه فقال له : يا{[48869]} عمر ! والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فإني سمعته أمس{[48870]} وهو يقول : اللهم ! أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر ! فقال له عمر عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه ، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلال الباب فرآه متوشحاً السيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال : يا رسول الله ! هذا عمر بن الخطاب {[48871]}متوشحاً السيف{[48872]} ! فقال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه : فأذن له ، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه{[48873]} له ، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائذن له ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ{[48874]} بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة {[48875]}وقال{[48876]} : ما جاء بك يا ابن الخطاب ! فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة ، فقال عمر : يا رسول الله ! جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم ، فتفرق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكانهم ، وقد عزّوا في أنفسهم حين أسلم عمر بن الخطاب مع إسلام حمزة رضي الله عنهما ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم ، فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر رضي الله عنه حين أسلم .
وكان إسلام عمر بعد إسلام حمزة رضي الله عنهما بثلاثة أيام ، كما ثبت ذلك في حاشية شرح العقائد عن فوائد تمام الرازي{[48877]} ، وصفوة{[48878]} الصفوة لابن الجوزي{[48879]} ؛ قال ابن هشام{[48880]} : قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر قال : أي قريش أنقل للحديث ؟ قال : قيل له : جميل بن معمر الجمحي ، فغدا عليه ، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت حتى جاءه{[48881]} فقال له : أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد ؟ قال : فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه . واتبعه عمر رضي الله عنه واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ! وهم في أنديتهم حول الكعبة . ألا ! إن ابن الخطاب قد صبأ قال : يقول عمر رضي الله عنه من خلفه : كذب ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على روؤسهم قال{[48882]} : وطلح{[48883]} فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو كنا{[48884]} ثلاثمائة رجل لقد تركناها{[48885]} لكم أو تركتموها لنا ، قال : فبينما هو على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : صبأ عمر ، قال : فمه{[48886]} ! رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون ؟ أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم{[48887]} ؟ هكذا{[48888]} عن الرجل ! قال : فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه . وفي الروض الأنف{[48889]} للإمام أبي القاسم السهيلي أن يونس روى عن ابن إسحاق أن عمر قال حين أسلم رضي الله عنه :
الحمد لله ذي المن الذي وجبت *** له علينا أياد ما لها غير
وقد بدأنا{[48890]} فكذبنا فقال لنا *** صدق الحديث{[48891]} نبي عند{[48892]} الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم{[48893]} هدى *** ربي عشية قالوا قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زلل *** بظلمها حين تتلى عندها السور
لما دعت ربها ذا العرش جاهدة *** والدمع من عينها عجلان يبتدر{[48894]}
أيقنت أن الذي تدعوه خالقها *** فكاد يسبقني من عبرة درر
فقلت أشهد أن الله خالقنا *** وأن أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدق أتى بالحق من ثقة *** وافى الأمانة ما في{[48895]} عوده خور
إذا تقرر هذا ، علم أن المقصود من السورة - كما تقدم - تشريف هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بإعلامه بالرفق بأمته ، والإقبال بقلوبهم حتى يملؤوا الأرض كثرة ، {[48896]}كما أنزل عليهم السكينة وهم في غاية الضعف والقلة ، وحماهم ممن يريد قتلهم ، ولين قلب عمر رضي الله عنه بعد ما كان فيه من الغلظة وجعله وزيراً ، ثم حماه بعدوه{[48897]} ، وتأمينه صلى الله عليه وسلم من أن يستأصلوا بعذاب ، وبأنه يموت نبيهم قبلهم لا كما وقع للمهلكين من قوم نوح وهود عليهما السلام ومن بعدهم - {[48898]}بما دل عليه افتتاح هذه بنفي الشقاء وختم تلك بجعل الود وغير ذلك ، والداعي إلى هذا التأمين{[48899]} أنه سبحانه لما ختم تلك بإهلاك القرون وإبادة الأمم بعد إنذار القوم اللد ، ولم{[48900]} يختم سورة من السور الماضية بمثل ذلك ، كان{[48901]} ربما أفهم أنه قد انقضت مدتهم ، وحل بوارهم ، وأتى دمارهم ، وأنه لا يؤمن منهم - لما {[48902]}هم فيه{[48903]} من اللدد - إلا من قد آمن ، فحصل بذلك من الغم والحزن ما لا يعلم قدره إلا الله ، لأن الأمر كان في ابتدائه ، ولم يسلم منهم إلا نفر يسير جداً ،