المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة طه هذه السورة مكية{[1]} .

اختلف الناس في قوله { طه } بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك : إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ . ب . ج . د . فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد { طه } من الكلام لا يصح أن يكون خبراً عن { طه } واختصت أيضاً { طه } بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة ، فمنها قول من قال { طه } اسم من أسماء محمد عليه السلام ، وقوله من { طه } معناه «يا رجل بالسريانية » وقيل بغيرها من لغات العجم ، وحكي أنها لغة يمنية في عك{[8073]} وأنشد الطبري : [ الطويل ]

دعوت بطه في القتال فلم يجب . . . فخفت عليه أن يكون موائلاً{[8074]}

ويروى مزايلاً وقال الآخر : [ البسيط ]

إن السفاهة طه من خلائقكم . . . لا بارك الله في القوم الملاعين{[8075]}

وقالت فرقة : سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح{[8076]} بين قدميه فقيل له : طأ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح{[8077]} ، فالضمير في { طه } للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة ، وقرأت «طه » وأصله :طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «طَهَ » بفتح الطاء والهاء وروي ذلك عن قالون عن نافع ، وروي يعقوب عنه كسرهما ، وروي عنه بين الكسر والفتح ، وأمالت فرقة ، والتفخيم لغة الحجاز والنبي عليه السلام ، وقرأ عاصم{[8078]} وحمزة والكسائي بكسر الطاء والهاء ، وقرأ أبو عمر و «طَهِ » بفتح الطاء وكسر الهاء ، وقرأت فرقة «طَهْ » بفتح الطاء وسكون الهاء ، وقد تقدمت ، وروي عن الضحاك وعمرو بن فائد أنهما قرآ «طاوي » .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[8073]:عك: اسم قبيلة من قبائل اليمن.
[8074]:هذا البيت لمتمم بن نويرة، شقيق مالك بن نويرة، وهو في الطبري والقرطبي، ويروى: هتفت بطه، والموائل: طالب النجاة الذي يلجأ إلى الشيء لينجو بنفسه. والمزايل: المفارق المبارح، يقول: دعوت في القتال بقولي: يا رجل، فلم يجب، فخفت عليه أن يكون قد فارقنا طلبا للنجاة، والشاهد أن (طه) هنا بمعنى: يا رجل.
[8075]:البيت ليزيد بن المهلهل، ويروى: إن السفاهة طه من شمائلكم لا قدس الله أرواح الملاعين والخلائق: جمع خليقة، وهي الطبيعة التي يخلق المرء بها، والبيت شاهد على أن معنى (طه) يا رجل عند بعض العرب.
[8076]:هكذا في الأصول، والظاهر أن يقال: "تتورمان وتحتاجان".
[8077]:يريد أنه من تعبه يقف على قدم ويريح الثانية، ثم يبدلهما فيقف على التي ارتاحت ويريح الأخرى، وهكذا.
[8078]:قراءة عاصم برواية حفص عنه بفتح الطاء والهاء مع مدهما، أما هذه فرواية أخرى.