التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

ثم بين - سبحانه - إن إغواء الشيطان لأهل سبأ ولأشباههم من بنى آدم ، لم يكن عن قسر وإكراه ، وإنما كان عن اختيار منهم ليتميز الخبيث من الطيب فقال - تعالى - : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } .

والمراد بالسلطان هنا : التسلط بالقهر والغلبة والإِكراه . والمراد بالعلم فى قوله - تعالى - { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } إظهار هذا العلم للناس ليتميز قوى الإِيمان من غيره .

أى : وما كان لإِبليس عليهم سلطان قاهر يجعلهم لا يملكون دفعه ، وإنما كان له عليهم الوسوسة التى يملكون صرفها ودعفها متى حسنت صلتهم بنا ، ونحن ما أبحنا لإِبليس الوسوسة لبنى آدم ، إلا لنظهر فى عالما لواقع حال من يؤمن بالآخرة وما فهيا من ثواب وعقاب ومحسبا ، ولنميزه عمن هو منها فى شك وريب وإنكار . .

قال الشوكانى - رحمه الله - : والاستثناء فى قوله { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } منقطع أى : لا سلطان له عليهم ، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم .

وقيل : هو متصل مفرغ من أعم العلل . أى : ما كان له عليهم من تسلط بحال من الأحوال ، ولا لعلة من العلل ، إلا ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن ، لأنه - سبحانه - قد علم ذلك علما أزليا . وقال الفراء : إلا لنعلم ذلك عندكم . والأولى حمل العلم هنا على التمييز والإِظهار .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } أى : وربك - أيها الرسول الكريم - على كل شئ رقيب وحفيظ ، بحيث لا يخرج شئ عن حفظه وهيمنته وعلمه وقدرته .

وهكذا نجد القرآن قد ساق لنا قصتين متعاقبتين ، إحداهما تدل على أن طاعة الله - تعالى وشكره ، وإخلاص العبادة له ، ومحسن الصلة به - سبحانه - ، كل ذلك يؤدى إلى المزيد من نعمه - تعالى - ، كما محدث لداود وسليمان - عليهما السلام - .

وأما الثانية فتدل على ان الجحود والبطر والانغماس فى المعاصى والشهوات . كل ذلك يؤدى إلى زوال النعم ، كا حدث لقبيلة سبأ .

وصدق الله إذ يقول : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

وقوله : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ } قال ابن عباس : أي من حجة .

وقال الحسن البصري : والله ما ضربهم بعصا ، ولا أكرههم على شيء ، وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها فأجابوه .

وقوله : { إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي : إنما سلطناه عليهم ليظهرَ أمر مَنْ هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء ، فيُحسِنَ عبادة ربه عز وجل في الدنيا ، ممن هو منها في شك .

وقوله : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي : ومع حفظه ضَلّ من ضَلّ من اتباع إبليس ، وبحفظه وكلاءته سَلِم مَنْ سلم من المؤمنين أتباع الرسل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سُلْطَانٍ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ وَرَبّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } .

يقول تعالى ذكره : وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حُجة يضلهم بها ، إلا بتسليطناه عليهم ، لُيعلم حزبُنا وأولياؤنا مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ يقول : من يصدّق بالبعث والثواب والعقاب مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكَ فلا يُوقِن بالمعاد ، ولا يصدّق بثواب ولا عقاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قال : قال الحسن : والله ما ضربهم بعصا ولا سَيف ولا سَوْط ، إلا أمانيّ وغرورا دعاهم إليها .

قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شكّ قال : وإنما كان بلاءً ليَعلم الله الكافر من المؤمن .

وقيل : عُنِي بقوله : إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالاَخِرَةِ إلا لنعلم ذلك موجودا ظاهرا ليستحقّ به الثواب أو العقاب .

وقوله : وَرَبّكَ على كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يقول تعالى ذكره : وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به ، وغير ذلك من الأشياء كلها حَفِيظٌ لا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو مُجازٍ جميعَهم يوم القيامة ، بمِا كسبوا في الدنيا من خير وشرّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

{ وما كان له عليهم من سلطان } تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء . { إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء ، أو ليتميز المؤمن من الشاك ، أو ليؤمن من قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله ، والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة ، في نظم الصلتين نكتة لا تخفى . { وربك على كل شيء حفيظ } محافظ والزنتان متآخيتان .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وما كان له} لإبليس {عليهم من سلطان} من ملك أن يضلهم عن الهدى.

{إلا لنعلم} لنرى {من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} ليبين المؤمن من الكافر. {وربك على كل شيء} من الإيمان والشك {حفيظ} رقيب.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حُجة يضلهم بها، إلا بتسليطناه عليهم، لُيعلم حزبُنا وأولياؤنا "مَنْ يُؤْمِنُ بالآخِرَةِ "يقول: من يصدّق بالبعث والثواب والعقاب "مِمّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكَ" فلا يُوقِن بالمعاد، ولا يصدّق بثواب ولا عقاب...

وقيل: عُنِي بقوله: "إلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بالآخِرَةِ" إلا لنعلم ذلك موجودا ظاهرا ليستحقّ به الثواب أو العقاب.

وقوله: "وَرَبّكَ على كُلّ شَيْءٍ حَفِيظٌ" يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به، وغير ذلك من الأشياء كلها حَفِيظٌ لا يعزب عنه علم شيء منه، وهو مُجازٍ جميعَهم يوم القيامة، بمِا كسبوا في الدنيا من خير وشرّ.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وما كان له عليهم من سلطان} أي حُجّة، ليس له حجّة عليهم، أي لم يمكّن لهم من الحجة، ولكن إنما مكّن لهم الوساوس والتمويهات، ثم جعل الله للمؤمنين مقابل ذلك حُججا، يدفعون بها شُبَهه وتمويهاته.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «السلطان»... وقد يكون الاستعلاء والاستقدار، إذ اللفظ من التسلط.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وربك على كل شيء حفيظ} يحقق ذلك أي الله تعالى قادر على منع إبليس عنهم عالم بما سيقع، فالحفظ يدخل في مفهومه العلم والقدرة، إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه حفظه ولا العاجز.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}: ومع حفظه ضَلّ من ضَلّ من اتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سَلِم مَنْ سلم من المؤمنين أتباع الرسل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمراً بنفسه، نفاه بقوله: {وما} أي والحال أنه ما {كان} أصلاً {له عليهم} أي الذين اتبعوه ولا غيرهم، وأعرق فيما هو الحق من النفي بقوله: {من سلطان}... قال القشيري: هو مسلط.

{ممن هو منها في شك} فهو لا يتجدد له بها إيمان أصلاً، لأن الشك ظرف له محيط به...

ولما كان هذا ربما أوقع في وهم نقصاً في العلم أو في القدرة، قال مشيراً إلى أنه سبحانه يسره صلى الله عليه وسلم بتكثير هذا الفريق المخلص وجعل أكثره من أمته فقال: {وربك} أي المحسن إليك بإخزاء الشيطان بنبوتك وإخسائه عن أمتك {على كل شيء} من المكلفين وغيرهم {حفيظ}... فلا يفعل الشيطان ولا غيره شيئاً إلا بعلمه وإذنه.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{إِلاَّ لِنَعْلَمَ...}...كان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه «النظم الجليل» لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون شكا للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه، وعداه بمن دون في وقدمه؛ لأنه إنما يضر الشك الناشئ منها وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها...

{وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شيء حَفُيظٌ} أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محافظ.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفعل {كان} في النفي مع {مِن} التي تفيد الاستغراق في النفي يفيد انتفاء السلطان، أي المِلك والتصريف للشيطان، أي ليست له قدرة ذاتية هو مستقل بها يتصرف بها في العالم كيف يشاء لأن تلك القدرة خاصة بالله تعالى.