التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

وبعد أن بين - سبحانه - ما هم عليه من طاعات ، أتبع ذلك ببيان اجتنابهم للمعاصى والسيئات فقال : { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ } أى : لا يشركون مع الله - تعالى - إلها آخر لا فى عبادتهم ولا فى عقائدهم . وإنما يخلصون وجوههم لله - تعالى - وحده .

{ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق } أى : ولا يقتلون النفس التى حرم الله - تعالى - قلتها لأى سبب من الأسباب ، إلا بسبب الحق المزيل والمهدر لعصمتها وحرمتها ، ككفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير ذنب يوجب قتلها .

{ وَلاَ يَزْنُونَ } أى : ولا يرتكبون فاحشة الزنا ، بأن يستحلوا فرجا حرمه الله - تعالى - عليهم .

روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أى الذنب أكبر ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت : ثم أى : قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قلت : ثم أى ؟ قال : أن تزانى حليلة جارك . . . " " .

وقوله - تعالى - : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً . . . } بيان لسوء عاقبة من يرتكب شيئا من تلك الفواحش السابقة .

أى : ومن يفعل ذلك الذى نهينا عنه من الإشراك والقتل والزنا ، يلق عقابا شديدا لا يقادر قدره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

63

وسمة عباد الرحمن بعد ذلك أنهم لا يشركون بالله ، ويتحرجون من قتل النفس ، ومن الزنا . تلك الكبائر المنكرات التي تستحق أليم العذاب :

( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ، ويخلد فيه مهانا . إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفورا رحيما . ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) .

وتوحيد الله أساس هذه العقيدة ، ومفرق الطريق بين الوضوح والاستقامة والبساطة في الاعتقاد ؛ والغموض والالتواء والتعقيد ، الذي لا يقوم على أساسه نظام صالح للحياة .

والتحرج من قتل النفس - إلا بالحق - مفرق الطريق بين الحياة الاجتماعية الآمنة المطمئنة التي تحترم فيها الحياة الإنسانية ويقام لها وزن ؛ وحياة الغابات والكهوف التي لا يأمن فيها على نفسه أحد ولا يطمئن إلى عمل أو بناء .

والتحرج من الزنا هو مفرق الطريق بين الحياة النظيفة التي يشعر فيها الإنسان بارتفاعه عن الحس الحيواني الغليظ ، ويحس بأن لالتقائه بالجنس الآخر هدفا أسمى من إرواء سعار اللحم والدم ، والحياة الهابطة الغليظة التي لا هم للذكران والإناث فيها إلا إرضاء ذلك السعار .

ومن أجل أن هذه الصفات الثلاثة مفرق الطريق بين الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله ؛ والحياة الرخيصة الغليظة الهابطة إلى درك الحيوان . . من أجل ذلك ذكرها الله في سمات عباد الرحمن . أرفع الخلق عند الله وأكرمهم على الله . وعقب عليها بالتهديد الشديد : ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما )أي عذابا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شَقيق ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : الذنب أكبر ؟ قال : " أن تَجعل لله ندًا وهو خلقك " . قال : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعم معك " . قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " . قال عبد الله : وأنزل الله تصديق ذلك : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } .

وهكذا رواه النسائي عن هَنَّاد بن السري ، عن أبي معاوية ، به{[21603]} .

وقد أخرجه البخاري ومسلم ، من حديث الأعمش ومنصور - زاد البخاري : وواصل - ثلاثتهم عن أبي وائل ، شقيق بن سلمة ، عن أبي مَيْسَرة عمرو بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ، به{[21604]} ، فالله أعلم ، ولفظهما عن ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ الحديث .

طريق غريب : وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، حدثنا عامر بن مُدْرِك ، حدثنا السري - يعني ابن إسماعيل - حدثنا الشعبي ، عن مسروق قال : قال عبد الله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته ، فجلس على نَشَز من الأرض ، وقعدت أسفل منه ، ووجهي حيال ركبتيه ، واغتنمت{[21605]} خلوته وقلت{[21606]} : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أي الذنوب{[21607]} أكبر ؟ قال : " أن تدعو لله ندًا وهو خلقك " . قلت : ثم مه ؟{[21608]} قال : " أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك " . قلت : ثم مه ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " . ثم قرأ : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } . [ إلى آخر ]{[21609]} الآية{[21610]} . وقال النسائي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن هلال بن يَسَاف ، عن سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ألا إنما هي أربع - فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم - : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا " {[21611]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن المديني ، رحمه الله ، حدثنا محمد بن فضيل بن غَزْوان ، حدثنا محمد بن سعد{[21612]} الأنصاري ، سمعت أبا طيبة الكَلاعي ، سمعت المقداد بن الأسود ، رضي الله عنه ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ما تقولون في الزنى " ؟ قالوا : حَرّمه الله ورسوله ، فهو حَرَام إلى يوم القيامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " . قال : " ما تقولون في السرقة " ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله ، فهي حرام . قال : " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره " {[21613]} .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا عمار بن نصر ، حدثنا بَقيَّة ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نُطفة وضعها رجل في رَحِم لا يحل له " {[21614]} .

وقال ابن جُرَيج : أخبرني يعلى ، عن سعيد بن جبير أنه سمعه يحدث{[21615]} عن ابن عباس : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا ، وزَنَوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا{[21616]} كفارة ، فنزلت : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ } ، ونزلت : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ] } {[21617]} [ الزمر : 53 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن أبي فَاخِتة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : " إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق ، وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك ، وينهاك أن تزني بحليلة جارك " . قال سفيان : وهو قوله : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ } {[21618]} .

وقوله : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } . روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : { أَثَامًا } واد في جهنم .

وقال عكرمة : { يَلْقَ أَثَامًا } أودية في جهنم يعذب فيها الزناة . وكذا رُوي عن سعيد بن جبير ، ومجاهد .

وقال قتادة : { يَلْقَ أَثَامًا } نكالا كنا نحدث أنه واد في جهنم .

وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول : يا بني ، إياك والزنى ، فإن أوله مخافة ، وآخره ندامة .

وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره ، عن أبي أمامة الباهلي - موقوفا ومرفوعا - أن " غيا " و " أثاما " بئران في قعر جهنم{[21619]} أجارنا الله منها بمنه وكرمه .

وقال السدي : { يَلْقَ أَثَامًا } : جزاء .

وهذا أشبه بظاهر الآية ؛ ولهذا فسره بما بعده مبدلا منه ، وهو قوله : { يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }


[21603]:- المسند (1/380) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11368).
[21604]:- صحيح البخاري برقم (6811) وصحيح مسلم برقم (68).
[21605]:- في ف : "فاغتنمت".
[21606]:- في أ : "فقلت".
[21607]:- في أ : "الذنب".
[21608]:- في أ : "أي".
[21609]:- زيادة من أ.
[21610]:- صحيح البخاري برقم (6811) وصحيح مسلم برقم (68).
[21611]:- النسائي في السنن الكبرى رقم (11373).
[21612]:- في ف ، أ : "سعيد".
[21613]:- المسند (6/8) وقال الهيثمي في المجمع (8/168) "رجاله ثقات".
[21614]:- الورع لابن أبي الدنيا برقم (137) "وهو مرسل ، وفي إسناده بقية وهو مدلس وابن أبي مريم ضعيف" أ.هـ مستفادا من كلام المحقق الفاضل محمد الحمود.
[21615]:- في أ : "يحدثه".
[21616]:- في أ : "أن لنا إن عملنا".
[21617]:- زيادة من ف ، أ.
[21618]:- ذكره السيوطي في الدر المنثور (6/277) وعزاه لابن أبي حاتم. ووقع فيه : "عن أبي قتادة" فإن كان كذلك فهو موصول ، وإن كان كما هو مثبت هنا فهو مرسل ، ولم يتبين لي الصواب منهما ، والله أعلم.
[21619]:- تفسير الطبري (19/29).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلََهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلََئِكَ يُبَدّلُ اللّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً } .

يقول تعالى ذكره : والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر ، فيشركون في عبادتهم إياه ، ولكنهم يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة وَلاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ قتلها إلاّ بِالحَقّ إما بكفر بالله بعد إسلامها ، أو زنا بعد إحصانها ، أو قتل نفس ، فتقتل بها وَلاَ يَزْنُونَ فيأتون ما حرّم الله عليهم إتيانه من الفروج وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يقول : ومن يأت هذه الأفعال ، فدعا مع الله إلها آخر ، وقتل النفس التي حرّم الله بغير الحقّ ، وزنى يَلْقَ أثاما يقول : يلق من عقاب الله عقوبة ونكالاً ، كما وصفه ربنا جلّ ثناؤه ، وهو أنه يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهانا . ومن الأثام قول بَلْعَاءَ بن قيس الكناني :

جَزَى اللّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حيْثُ أمْسَى *** عُقُوقا والعُقُوقُ لَهُ أَثامُ

يعني بالأثام : العقاب .

وقد ذُكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ، ممن كان منه في شركه هذه الذنوب ، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام ، فاستفتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية ، يعلمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : ثني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، أن ناسا من أهل الشرك قَتَلُوا فأكثروا ، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن الذي تدعونا إليه الحسن ، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت : وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا يَزْنُونَ ، ونزلت : قُلْ يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ . . . إلى قوله : مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ قال ابن جُرَيج : وقال مجاهد مثل قول ابن عباس سواء .

حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي معاوية ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن عبد الله ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم : ما الكبائر ؟ قال : «أنْ تَدْعُوَ لِلّهِ نِدّا وَهُوَ خَلَقَك وأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يأكُلَ مَعَكَ ، وأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ » ، وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله : وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا يَزْنُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان عن الأعمش ومنصور ، عن أبي وائل عن عمرو بن شُرَحْبِيلِ ، عن عبد الله ، قال : قلت : يا رسول الله ، أيّ الذنب أعظم ؟ قال : «أنْ تَجْعَلَ لِلّهِ ندّا وَهُوَ خَلَقَكَ » ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : «أنْ تَقْتُل وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يأكُلَ مَعَكَ » ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : «ثُمّ أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ » ، فأنزل تصديق قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا يَزْنُونَ » . . . الاَية .

حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا عليّ بن قادم ، قال : حدثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن منصور عن أبي وائل ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : ثني عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن سفيان ، عن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيّ الذنب أكبر ؟ ثم ذكر نحوه .

حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا عامر بن مدرك ، قال : حدثنا السريّ ، يعني ابن إسماعيل قال : حدثنا الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فاتبعته ، فجلس على نَشَز من الأرض ، وقعدت أسفل منه ، ووجهي حيال ركبتيه ، فاغتنمت خلوته ، وقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، أيّ الذنوب أكبر ؟ قال : «أنْ تَدْعُوَ لِلّهِ نِدّا وَهُوَ خَلَقَكَ » . قلت : ثم مَهْ ؟ قال : «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكِ كَرَاهِيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ » . قلت : ثم مَهْ ؟ قال : «أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ » ، ثم تلا هذه الاَية : «وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ » . . . إلى آخر الاَية .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا طَلْق بن غنام ، عن زائدة ، عن منصور ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، أو حُدثت عن سعيد بن جُبير ، أن عبد الرحمن بن أبْزى أمره أن يسأل ابن عباس عن هاتين الاَيتين التي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمنا مُتَعَمّدا . . . إلى آخر الاَية ، والاَية التي في الفرقان وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَلْقَ أثاما . . . إلى ويَخْلُدْ فِيهِ مُهانا قال ابن عباس : إذا دخل الرجل في الإسلام ، وعلم شرائعه وأمره ، ثم قتل مؤمنا متعمدا ، فلا توبة له . والتي في الفرقان ، لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة : فقد عدلنا بالله ، وقتلنا النفس التي حرّم الله بغير الحقّ ، فما ينفعنا الإسلام ؟ قال : فنزلت إلاّ مَنْ تابَ قال : فمن تاب منهم قُبل منه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، أو قال : حدثني الحكم عن سعيد بن جُبير ، قال : أمرني عبد الرحمن بن أبزى ، فقال : سل ابن عباس ، عن هاتين الاَيتين ، ما أمرهما عن الاَية التي في الفرقان وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلَهَا آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ . . . الاَية ، والتي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ . فسألت ابن عباس عن ذلك ، فقال : لما أنزل الله التي في الفرقان ، قال مشركو أهل مكة : قد قتلنا النفس التي حرّم الله ، ودعونا مع الله إلها آخر ، فقال : إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ عَمَلاً صالِحا . . . الاَية . فهذه لأولئك . وأما التي في النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنا مُتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنّمُ . . . الاَية ، فإن الرجل إذا عرف الإسلام ، ثم قتل مؤمنا متعمدا ، فجزاؤه جهنم ، فلا توبة له . فذكرته لمجاهد ، فقال : إلا من ندم .

حدثنا محمد بن وعوف الطائي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الذهنيّ ، قال : حدثنا شيبان ، عن منصور بن المعتمر ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، قال لي سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى : سل ابن عباس عن هاتين الاَيتين عن قول الله : وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلَها آخرَ . . . إلى مَنْ تابَ ، وعن قوله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا . . . إلى آخر الاَية . قال : فسألت عنها ابن عباس ، فقال : أنزلت هذه الاَية في الفرقان بمكة إلى قوله ويَخْلُدْ فِيهِ مُهانا فقال المشركون : فما يغني عنا الإسلام ، وقد عدلنا بالله ، وقتلنا النفس التي حرّم الله ، وأتينا الفواحش ، قال : فأنزل الله إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ عَمَلاً صَالِحا . . . إلى آخر الاَية ، قال : وأما من دخل في الإسلام وعقَله ، ثم قتل ، فلا توبة له .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال في هذه الاَية وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلَها آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ التي حَرّم اللّهُ إلاّ بالحَقّ . . . الاَية ، قال : نزلت في أهل الشرك .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبير ، قال : أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الاَية وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلَها آخَرَ ، فذكر نحوه .

حدثني عبد الكريم بن عمير ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا عيسى بن شعيب بن ثَوْبان ، مولًى لبني الديل من أهل المدينة ، عن فُلَيح الشماس ، عن عبيد بن أبي عبيد ، عن أبي هريرة ، قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العَتَمة ، ثم انصرفت فإذا امرأة عند بابي ، ثم سلمت ، ففتحت ودخلت ، فبينا أنا في مسجدي أصلي ، إذ نقرت الباب ، فأذنت لها ، فدخلت فقالت : إني جئتك أسألك عن عمل عملت ، هل لي من توبة ؟ فقالت : إني زنيت وولدتُ ، فقتلته ، فقلت : لا ، ولا نعمت العين ولا كرامة . فقامت وهي تدعو بالحسرة تقول : يا حسرتاه ، أخُلِقَ هذا الحسن للنار ؟ قال : ثم صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك الليلة ، ثم جلسنا ننتظر الإذن عليه ، فأذن لنا ، فدخلنا ، ثم خرج من كان معي ، وتخلفت ، فقال : «ما لَكَ يا أبا هُرَيْرَةَ ، ألَكَ حاجَةٌ ؟ » فقلت له : يا رسول الله صليت معك البارحة ، ثم انصرفت . وقصصت عليه ما قالت المرأة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ما قُلْتَ لَهَا ؟ » قال : قلت لها : لا والله ولا نعمت العين ولا كرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بئْسَ ما قُلْتَ أمَا كُنْتَ تَقْرأُ هَذِهِ الاَيَةَ » : وَالّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إلَهَا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ . . . الاَية إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحا » فقال أبو هريرة : فخرجت ، فلم أترك بالمدينة حصنا ولا دارا إلا وقفت عليه ، فقلت : إن تكن فيكم المرأة التي جاءت أبا هريرة الليلة ، فلتأتني ولتبشر فلما صليت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم العشاء ، فإذا هي عند بابي ، فقلت : أبشري ، فإني دخلت على النبيّ ، فذكرت له ما قلتِ لي ، وما قلت لك ، فقال : «بئس ما قلت لها ، أما كنت تقرأ هذه الاَية ؟ » فقرأتها عليها ، فخرّت ساجدة ، فقالت : الحمد لله الذي جعل مَخْرجا وتوبة مما عملت ، إن هذه الجارية وابنها حرّان لوجه الله ، وإني قد تبت مما عملت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، قال : اختلفت إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة ، فما شيء من القرآن إلا سألته عنه ، ورسولي يختلف إلى عائشة ، فما سمعته ولا سمعت أحدا من العلماء يقول : إن الله يقول لذنب : لا أغفره .

وقال آخرون : هذه الاَية منسوخة بالتي في النساء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني المغيرة بن عبد الرحمن الحرّاني ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد أنه دخل على أبيه وعنده رجلٍ من أهل العراق ، وهو يسأله عن هذه الاَية التي في تبارك الفرقان ، والتي في النساء وَمَنْ يَقتُلْ مُؤمِنا مُتَعَمّدا فقال زيد بن ثابت : قد عرفت الناسخة من المنسوخة ، نسختها التي في النساء بعدها بستة أشهر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال الضحاك بن مزاحم : هذه السورة بينها وبين النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا ثمان حجج . وقال ابن جُرَيج : وأخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جُبير : هل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ؟ فقال : لا ، فقرأ عليه هذه الاَية كلها ، فقال سعيد بن جُبير : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليّ ، فقال : هذه مكية ، نسختها آية مدنية ، التي في سورة النساء . وقد أتينا على البيان عن الصواب من القول في هذه الاَية التي في سورة النساء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وبنحو الذي قلنا في الأثام من القول ، قال أهل التأويل ، إلا أنهم قالوا : ذلك عقاب يعاقب الله به من أتى هذه الكبائر بواد في جهنم يُدعى أثاما . ذكر من قال ذلك :

حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث ، عن قَتادة ، عن أبي أيوب الأزدي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : الأثام : وادٍ في جهنم .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله : يَلْقَ أثاما قال : واديا في جهنم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَلْقَ أثاما قال : واديا في جهنم فيه الزناة .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا محمد بن زياد ، قال : حدثنا شرقِيّ بن قطاميّ ، عن لقمان بن عامر الخزاعيّ ، قال : جئت أبا أُمامة صديّ بن عجلان الباهلي ، فقلت : حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فدعا لي بطعام ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَوْ أنّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ عَشْرَاوَاتٍ قُذِفَ بِها مِنْ شَفِيرِ جَهَنّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها خَمْسِينَ خَرِيفا ، ثُمّ تَنْتَهي إلى غَيَ وأثامٍ » . قلت : وما غيّ وأثام ؟ قال : بِئْرَانِ فِي أسْفَلِ جَهَنّمَ يَسِيلُ فِيهِما صَدِيدُ أهْلِ النّارِ ، وهما اللذان ذكر الله في كتابه أضَاعُوا الصّلاَةَ وَاتّبَعُوا الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا ، وقوله في الفرقان : وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلكَ يَلْقَ أثاما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَلْقَ أثاما قال : الأثام الشرّ ، وقال : سيكفيك ما وراء ذلك : يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : يَلْقَ أثاما قال : نكالاً قال : قال : إنه وادٍ في جهنم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن هشيم ، قال : أخبرنا زكريا بن أبي مريم قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا بحجر يهوي فيها أو بصخرة تهوي ، عظمها كعشر عشراوات سمان ، فقال له رجل : فهل تحت ذلك من شيء ؟ قال : نعم غيّ وأثام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

وقوله تعالى : { والذين لا يدعون } الآية إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان وقتلهم النفس بوأد البنات وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات وبالزنا الذي كان عندهم مباحاً ، وفي نحو هذه الآية قال عبد الله بن مسعود : قلت يوماً يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال :

«أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلت ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قلت ثم أي ؟ قال أن تزاني حليلة جارك » ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية{[8881]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : والقتل والزنا يدخل في هذه الآية العصاة من المؤمنين ولهم من الوعيد بقدر ذلك ، «والحق » الذي تقتل به النفس هو قتل النفس والكفر بعد الإيمان ، و «الزنا » بعد الإحصان والكفر الذي لم يتقدمه إيمان في الحربيين ، و «الآثام » في كلام العرب العقاب وبه فسر ابن زيد وقتادة هذه الآية ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]

جزى الله ابن عروة حيث أمسى . . . عقوقاً والعقوق له أثام{[8882]}

أي جزاء وعقوبة ، وقال عكرمة وعبد الله بن عمرو ومجاهد إن { أثاماً } واد في جهنم هذا اسمه وقد جعله الله عقاباً للكفرة .


[8881]:أخرجه الفريابي، وأحمد وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان –عن ابن مسعود رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[8882]:البيت لبلعاء بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر، اسمه حميضة، وهو من كنانة بن خزيمة، وكان بلعاء رأس بني كنانة وقائدهم في الحروب والغزوات، ولم أخبار كثيرة بسبب إكثاره من الغارات على العرب، وقد أكثر من القول في فنون الشعر المختلفة، وشعره حسن، وقد استشهد صاحب اللسان بالبيت، ونسبه إلى شافع الليثي، قال: "قال أبو إسحق: تأويل الأثام: المجازاة، وقال أبو عمرو الشيباني: لقي فلان أثام ذلك، أي جزاء ذلك، فإن الخليل وسيبويه يذهبان إلى أن معناه: يلق جزاء الأثام، وقول شافع الليثي في ذلك: جزى الله... البيت، أي: عقوبة مجازاة العقوق، وهي قطيعة الرحم". أما أبو عبيدة فقد نسبه إلى بلعاء في مجاز القرآن.