سورة " الكوثر " وتسمى –أيضاً- سورة " النحر " ، تعتبر أقصر سورة في القرآن الكريم ، وهي من السور المكية عند الجمهور ، وقيل : مدنية .
قال بعض العلماء : والأظهر أن هذه السورة مدنية ، وعلى هذا سنسير في تفسير آياتها ، وعلى القول بأنها مكية عددها الخامسة عشرة ، في عداد نزول السور ، نزلت بعد سورة " العاديات " ، وقيل : سورة " التكاثر " ، وعلى القول بأنها مدنية ، فقد قيل : إنها نزلت في الحديبية . وعدد آياتها ثلاث آيات بالاتفاق( {[1]} ) .
الكوثر : فَوْعل من الكثرة ، مثل النَّوْفل من النفل ، ومعناه : الشيء البالغ فى الكثرة حد الإِفراط ، والعرب تسمى كل شيء كثر عدده ، وعظم شأنه : كوثرا ، وقد قيل لأعرابية بعد رجوع ابنها من سفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر . أي : بشيء كثير .
قال الإِمام القرطبى ما ملخصه : واختلف أهل التأويل فى الكوثر الذى أعطيه النبى صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولاً : الأول : أنه نهر فى الجنة ، رواه البخارى عن أنس ، ورواه الترمذى - أيضاً - عن ابن عمر . . الثانى : أنه حوض للنبى صلى الله عليه وسلم في الموقف . . الثالث : أنه النبوة والكتاب . . الرابع : أنه القرآن . . الخامس : الإِسلام .
ثم قال - رحمه الله - قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني ؛ لأنه ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم نص فى الكوثر . . وجميع ما قيل بعد ذلك فى تفسيره قد أعطيه صلى الله عليه وسلم زيادة على حوضه . . .
وافتتح - سبحانه - الكلام بحرف التأكيد ، للاهتمام بالخبر ، وللإِشعار بأن المعطى شيء عظيم . . أى : إنا أعطيناك بفضلنا وإحساننا - أيها الرسول الكريم - الكوثر ، أي : الخير الكثير الذي من جملته هذا النهر العظيم ، والحوض المطهر . . فأبشر بذلك أنت وأمتك ، ولا تلتفت إلى ما يقوله أعداؤك فى شأنك .
هذه السورة خالصة لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كسورة الضحى ، وسورة الشرح . يسري عنه ربه فيها ، ويعده بالخير ، ويوعد أعداءه بالبتر ، ويوجهه إلى طريق الشكر .
ومن ثم فهي تمثل صورة من حياة الدعوة ، وحياة الداعية في أول العهد بمكة . صورة من الكيد والأذى للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] ودعوة الله التي يبشر بها ؛ وصورة من رعاية الله المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه ؛ ومن تثبيت الله وتطمينه وجميل وعده لنبيه ومرهوب وعيده لشانئه .
كذلك تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان . وحقيقة الضلال والشر والكفران . . الأولى كثرة وفيض وامتداد . والثانية قلة وانحسار وانبتار . وإن ظن الغافلون غير هذا وذاك . .
ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء . ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع للحق الذي جاءهم به من عند الله ، من أمثال العاص ابن وائل ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبي لهب ، وأبي جهل ، وغيرهم ، كانوا يقولون عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إنه أبتر . يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده . وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره !
وكان هذا اللون من الكيد اللئيم الصغير يجد له في البيئة العربية التي تتكاثر بالأبناء صدى ووقعا . وتجد هذه الوخزة الهابطة من يهش لها من أعداء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وشانئيه ، ولعلها أوجعت قلبه الشريف ومسته بالغم أيضا .
ومن ثم نزلت هذه السورة تمسح على قلبه [ صلى الله عليه وسلم ] بالروح والندى ، وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره له ربه ؛ وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه .
( إنا أعطيناك الكوثر ) . . والكوثر صيغة من الكثرة . . وهو مطلق غير محدود . يشير إلى عكس المعنى الذي أطلقه هؤلاء السفهاء . . إنا أعطيناك ما هو كثير فائض غزير . غير ممنوع ولا مبتور . . فإذا أراد أحد أن يتتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه فهو واجده حيثما نظر أو تصور .
هو واجده في النبوة . في هذا الاتصال بالحق الكبير ، والوجود الكبير . الوجود الذي لا وجود غيره ولا شيء في الحقيقة سواه . وماذا فقد من وجد الله ?
وهو واجده في هذا القرآن الذي نزل عليه . وسورة واحدة منه كوثر لا نهاية لكثرته ، وينبوع ثر لا نهاية لفيضه وغزارته !
وهو واجده في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه ، ويصلي على من يصلي عليه في الأرض ، حيث يقترن اسمه باسم الله في الأرض والسماء .
وهو واجده في سنته الممتدة على مدار القرون ، في أرجاء الأرض . وفي الملايين بعد الملايين السائرة على أثره ، وملايين الملايين من الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه ، وملايين الملايين من القلوب المحبة لسيرته وذكراه إلى يوم القيامة .
وهو واجده في الخير الكثير الذي فاض على البشرية في جميع أجيالها بسببه وعن طريقه . سواء من عرفوا هذا الخير فآمنوا به ، ومن لم يعرفوه ولكنه فاض عليهم فيما فاض !
وهو واجده في مظاهر شتى ، محاولة إحصائها ضرب من تقليلها وتصغيرها !
إنه الكوثر ، الذي لا نهاية لفيضه ، ولا إحصاء لعوارفه ، ولا حد لمدلوله . ومن ثم تركه النص بلا تحديد ، يشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد . .
وقد وردت روايات من طرق كثيرة أن الكوثر نهر في الجنة أوتيه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولكن ابن عباس أجاب بأن هذا النهر هو من بين الخير الكثير الذي أوتيه الرسول . فهو كوثر من الكوثر ! وهذا هو الأنسب في هذا السياق وفي هذه الملابسات .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ * إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } .
يقول تعالى ذكره : { إنّا أعْطَيْناكَ يا محمد الْكَوْثَرَ } .
واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر ، فقال بعضهم : هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر : أنه قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب وفضة ، يجري على الدرّ والياقوت ، ماؤه أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن محارب بن دثار الباهليّ ، عن ابن عمر ، في قوله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : نهر في الجنة ، حافتاه الذهب ، ومجراه على الدرّ والياقوت ، وماؤه أشدّ بياضا من الثلج ، وأشدّ حلاوة من العسل ، وتربته أطيب من ريح المسك .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدرّ ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق أو مسروق ، قال : قلت لعائشة : يا أمّ المؤمنين ، وما بُطْنان الجنة ؟ قالت : وسط الجنة : حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت .
حدثنا أحمد بن أبي سَريج الرازيّ ، قال : حدثنا أبو النضر وشبابة ، قالا : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن رجل ، عن عائشة قالت : الكوثر : نهر في الجنة ، ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر ، وحدثنا ابن أبي سُرَيج ، قال : حدثنا أبو نَعِيم ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازيّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن أنس ، قال : الكوثر : نهر في الجنة .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، درّ مجوّف .
حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة : الكوثر : نهر في الجنة ، عليه من الآنية عدد نجوم السماء .
قال : ثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازيّ ، عن ابن أبي نجيح ، عن عائشة قالت : من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أُذنيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة ، قالت : نهر في الجنة ، شاطئاه الدرّ المجوّف .
قال : ثنا مهران ، عن أبي معاذ عيسى بن يزيد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عائشة قالت : الكوثر : نهر في بُطْنان الجنة : وسط الجنة ، فيه نهر شاطئاه درّ مجوّف ، فيه من الآنية لأهل الجنة ، مثلُ عدد نجوم السماء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : نهر أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم في الجنة .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا مسعدة ، عن عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : الكَوْثَر : نهر في الجنة ، ترابه مسك أذفر ، وماؤه الخمر .
حدثنا ابن أبي سريج ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : نهر في الجنة .
حدثنا الربيع ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدّثنا ، قال : لما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر ، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشُمّ ترابه ، فإذا هو مسك ، فقال : «يا جبريل ، ما هذا النهر ؟ » قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربّك .
وقال آخرون : عُنِي بالكوثر : الخير الكثير . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثني هُشَيم ، قال : أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : فقلت لسعيد بن جُبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال : فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عطاء بن السائب ، قال : قال محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر ؟ قال : قلت : قال : قال ابن عباس : هو الخير الكثير ، فقال : صدق والله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سألت سعيد بن جُبير ، عن الكوثر ، فقال : هو الخير الكثير الذي آتاه الله ، فقلت لسعيد : إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة ، فقال : هو الخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : الخير الكثير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن عُمارة بن أبي حفصة ، عن عكرِمة ، قال : هو النبوّة ، والخير الذي أعطاه الله إياه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حرمي بن عمارة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن عكرِمة في قول الله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : الخير الكثير ، والقرآن والحكمة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا عُمارة بن أبي حفصة ، عن عكرِمة أنه قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : الخير الكثير .
قال : ثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن هلال ، قال : سألت سعيد بن جُبير { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : أكثر الله له من الخير ، قلت : نهر في الجنة ؟ قال : نهر وغيره .
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن مجاهد : الكوثر : قال : الخير كله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : خير الدنيا والآخرة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في الكوثر ، قال : هو الخير الكثير .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير ، قال : الكوثر : الخير الكثير .
قال : ثنا وكيع ، عن بدر بن عثمان ، سمع عكرِمة يقول في الكوثر : قال : ما أُعطي النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخير والنبوّة والقرآن .
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازيّ ، قال : حدثنا أبو داود ، عن بدر ، عن عكرِمة ، قوله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : الخير الذي أعطاه الله : النبوّة والإسلام .
وقال آخرون : هو حوض أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مطر ، عن عطاء { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : حوض في الجنة أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مطر ، قال : سألت عطاء ونحن نطوف بالبيت عن قوله : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } قال : حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي ، قول من قال : هو اسم النهر الذي أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وصفه الله بالكثرة ، لعظَم قدره .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك ، لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك . ذكر الأخبار الواردة بذلك :
حدثنا أحمد بن المِقدام العجليّ ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن أنس قال : لما عُرج بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الجنة- أو كما قال- عَرَض له نهر حافَتاه الياقوت المجوّف- أو قال : المجوّب- فضرب المَلك الذي معه بيده فيه ، فاستخرج مسكا ، فقال محمد للملك الذي معه : «ما هَذَا ؟ » قال : هذا الكوثر الذي أعطاك الله . قال : ورُفِعت له سِدْرة المنتَهَى ، فأبصر عندها أثرا عظيما ، أو كما قال .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «بَيْنَما أنا أسِيرُ فِي الجَنّةِ ، إذْ عَرَضَ لي نَهْرٌ ، حافَتاهُ قِبابُ اللّؤْلُؤِ المُجَوّفِ ، فقالَ المَلكُ الّذِي مَعَهُ : أتَدْرِي ما هَذَا ؟ هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَ اللّهُ إيّاهُ ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إلى أرْضِهِ ، فأخْرَجَ مِنْ طِينِهِ المِسْكَ » .
حدثني ابن عوف ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا شيبان ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا عُرِجَ بِي إلى السّماءِ ، أتَيْتُ عَلى نَهْرٍ حافَتاهُ قِبابُ اللّؤْلُؤِ المُجَوّفِ ، قُلت : ما هَذَا يا جِبْرِيلُ ؟ قال : هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَ رَبّكَ ، فأَهْوَى المَلَكُ بيَدِهِ ، فاسْتَخْرَجَ طِينَهُ مِسْكا أذْفَرَ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دَخَلْتُ الجَنّة ، فَإذَا أنا بِنَهْرٍ حافَتاهُ خِيامُ اللّؤْلُؤِ ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إلى ما يَجْرِي فِيهِ ، فإذَا مِسْكٌ أذْفَرُ . قال : قُلْتُ : ما هَذَا يا جِبْرِيلُ ؟ قال : هَذَا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَهُ اللّهُ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث يزيد ، عن سعيد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا أبو أيوب العباس ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : «هُوَ نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ ، تُرَابُهُ مِسْكٌ أبْيَضُ مِنَ اللّبَنِ ، وأحْلَى مِنَ العَسَلِ ، تَرِدُهُ طَيرٌ أعْناقُها مِثْلُ أعْناقِ الجُزُرِ » ، قال أبو بكر : يا رسولَ الله ، إنها لناعمة ؟ قال : «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها » .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي ، عن كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دَخَلْتُ الجَنّةَ حِينَ عُرِجَ بي ، فأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ ، فإذَا هُوَ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ ، عُضَادَتاهُ بُيُوتٌ مُجَوّفَةٌ مِنْ لُؤْلَؤٍ » .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس : أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال : «نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ ، لَهُوَ أشَدّ بَياضا مِنَ اللّبنِ ، وأحْلَى مِنَ العَسَلِ ، فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُرِ » . قال عمر : يا رسول الله إنها لناعمة ، قال : «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها » .
حدثنا يونس ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله ، قال : ثني الليث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس ، أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري أن أخاه عبد الله ، أخبره أن أنس بن مالك صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره : أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما الكوثر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُوَ نَهْرٌ أعْطانِيْهِ اللّهُ فِي الجَنّةِ ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللّبنِ ، وأحْلَى مِنَ العَسَلِ ، فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُها كأعْناقِ الجُزُرِ » ، فقال عمر : إنها لناعمة يا رسول الله ، فقال : «آكِلُها أنْعَمُ مِنْها » .
فقال : عمر بن عثمان : قال ابن أبي أُوَيس : وحدثني أبي ، عن ابن أخي الزهريّ ، عن أبيه ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكوثر ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عطاء ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ ، حافَتاهُ مِنْ ذَهَبٍ ، ومَجْرَاهُ عَلى الْياقُوتِ والدّرّ ، تُرْبَتُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ ، ماؤُهُ أحْلَى مِنَ العَسَلِ ، وأشَدّ بَياضا مِنَ الثّلْجِ » .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، قال : قال لي محارب بن دِثار : ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر ؟ قلت : حَدّثنا عن ابن عباس ، أنه قال : هو الخير الكثير ، فقال : صدق والله ، إنه للْخير الكثير ، ولكن حَدّثنا ابن عمر ، قال : لما نزلت : { إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّةِ ، حافَتاهُ منْ ذَهَبٍ ، يَجْرِي عَلى الدّرّ والْياقُوت » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنّة » ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «رأيْتُ نَهْرا حَافتاهُ اللّؤْلُؤُ ، فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ ما هَذَا ؟ قال : هَذا الْكَوْثَرُ الّذِي أعْطاكَهُ اللّهُ » .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مَريم ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، قال : أخبرنا حزام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أُسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ، فلم يجده ، فسأل امرأته عنه ، وكانت من بني النجّار ، فقالت : خرج ، بأبي أنت آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجّار ، أوَلاَ تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدّمت إليه حَيْسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وإني لأريد أن آتيَك فأهنيَك وأَمْرِيَك . أخبرني أبو عمارة أنك أُعطيت نهرا في الجنة يُدعى الكوثر ، فقال : «أجَلْ ، وَعَرْضُهُ -يعني أرضه- ياقُوتٌ وَمَرْجانٌ وَزَبَرْجَدٌ وَلُؤْلُؤٌ » .
وهي مكية{[1]} .
قرأ الحسن : «إنا أنطيناك » ، وهي لغة في أعطى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «واليد المنطية خير من السفلى{[12004]} » ، وقال الأعشى : [ المتقارب ]
جيادك خير جياد الملوك . . . تصان الجلال وتنطى الشعيرا{[12005]}
قال أنس وابن عمر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين : { الكوثر } : نهر في الجنة ، حافتاه قباب من در مجوف ، وطينه مسك ، وحصباؤه ياقوت ، ونحو هذا من صفاته ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة ، وقال ابن عباس أيضاً : { الكوثر } : الخير الكثير .
قال القاضي أبو محمد : كوثر : بناء مبالغة من الكثرة ، ولا مجال أن الذي أعطى الله محمداً عليه السلام من النبوة ، والحكمة ، والعلم بربه ، والفوز برضوانه ، والشرف على عباده ، هو أكثر الأشياء وأعظمها ، كأنه يقول في هذه الآية : { إنا أعطيناك } الحظ الأعظم . قال سعيد بن جبير : النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه ، فنعم ما ذهب إليه ابن عباس ، ونعم ما تمم ابن جبير رضي الله عنهم . وأمر النهر ثابت في الآثار في حديث الإسراء وغيره ، صلى الله عليه وسلم على محمد ، ونفعنا بما منحنا من الهداية . قال الحسن : { الكوثر } ، القرآن . وقال أبو بكر بن عياش : هو كثرة الأصحاب والأتباع . وقال جعفر الصادق : نور في قلبه ، ودله عليه ، وقطعه عما سواه . وقال أيضاً : هو الشفاعة . وقال هلال بن يساف{[12006]} : هو التوحيد .