التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (69)

فأخذ هود - عليه السلام - في إزالة هذا العجب من نفوسهم ، فقال :

{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } أى : أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم تعرفون صدقه ونسبه وحسبه ، إن ما عجبتم له ليس موقع عجب ، بل هو عين الحكمة فقد اقتضت رحمة الله أن يرسل لعباده من بينهم من يرشدهم إلى الطريق القويم و { الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ثم أخذ في تذكيرهم بواقعهم الذي يعيشون فيه لكى يحملهم على شكر الله فقال :

{ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أى : اذكروا بتأمل واعتبار فضل الله عليكم ونعمه حيث جعلكم مستخلفين في الأرض من بعد قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان لكفرهم وجحودهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : و " إذا " منصوب على المفعولية لقوله : { واذكروا } أى : اذكروا هذا الوقت المشتمل على النعم الجسام . وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره ، ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضرا بتفاصيله . وهو معطوف على مقدر كأنه قيل : لا تعجبوا وتدبروا في أمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " .

ثم ذكرهم بنعمة ثانية فقال : { وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً } أى : زادكم في المخلوقات بسطة وسعة في الملك والحضارة ، أو زادكم بسطة في قوة أبدانكم وضخامة أجسامكم ، ومن حق هذا الاستخلاف وتلك القوة ، أن تقابلا بالشكر لله رب العالمين .

وقد ذكر بعض المفسرين روايات تتعلق بضخامة أجسام قوم هود وقوتهم وهى روايات ضعيفة لا يعتد بها ، ولذا أضربنا عنها ، ويكفينا أن القرآن الكريم قد أشار إلى قوتهم وجبروتهم بدون تفصيل لذلك كما في قوله - تعالى - : { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } وكما في قوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ثم كرر هود - عليه السلام - تذكيرهم بنعم الله فقال : { فاذكروا آلآءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . أى : فاذكروا نعم الله واشكروها له لعلكم تفوزون بما أعده للشاكرين من إدامتها عليهم وزيادتها لهم ، ولن تكونوا كذلك إلا بعبادتكم له وحده - عز وجل - .

وآلاء الله : نعمه الكثيرة . والآلاء جمع إلى كحمل وأحمال . أو ألى ، كقفل وأقفال . أو إلى ، كمعى وأمعاء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (69)

59

ولا بد أن يكون القوم قد عجبوا - كما عجب قوم نوح من قبل - من هذا الاختيار ، ومن تلك الرسالة ، فإذا هود يكرر لهم ما قاله نوح من قبل ، كأنما كلاهما روح واحدة في شخصين :

( أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ؟ ) . .

ثم يزيد عليه ما يمليه واقعهم . . واقع استخلافهم في الأرض من بعد قوم نوح ، وإعطائهم قوة في الأجسام وضخامة بحكم نشأتهم الجبلية ، وإعطائهم كذلك السلطان والسيطرة :

( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ، وزادكم في الخلق بسطة . فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ) . . فلقد كان من حق هذا الاستخلاف ، وهذه القوة والبسطة ، أن تستوجب شكر النعمة ، والحذر من البطر ، واتقاء مصير الغابرين . وهم لم يأخذوا على الله عهداً : أن تتوقف سنته التي لا تتبدل ، والتي تجري وفق الناموس المرسوم ، بقدر معلوم . وذكر النعم يوحي بشكرها ؛ وشكر النعمة تتبعه المحافظة على أسبابها ؛ ومن ثم يكون الفلاح في الدنيا والآخرة .