والفرق السادس : بين القصتين أن نوحا عليه السلام قال : { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون } وفي قصة هود أعاد هذا الكلام بعينه إلا أنه حذف منه قوله : { ولتتقوا ولعلكم ترحمون } والسبب فيه أنه لما ظهر في القصة الأولى أن فائدة الإنذار هي حصول التقوى الموجبة للرحمة لم يكن إلى إعادته في هذه القصة حاجة ، وأما بعد هذه الكلمة فكله من خواص قصة هود عليه السلام وهو قوله تعالى حكاية عن هود عليه السلام : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح }
واعلم أن الكلام في الخلفاء والخلائف والخليفة قد مضى في مواضع ، والمقصود منه أن تذكر النعم العظيمة يوجب الرغبة والمحبة وزوال النفرة والعداوة ، وقد ذكر هود عليه السلام ههنا نوعين من الأنعام : الأول : أنه تعالى جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح ، وذلك بأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم وما يتصل بها من المنافع والمصالح . والثاني : قوله : { وزادكم في الخلق بسطة } وفيه مباحث :
البحث الأول : { الخلق } في اللغة عبارة عن التقدير ، فهذا اللفظ إنما ينطلق على الشيء الذي له مقدار وجثة وحجمية ، فكان المراد حصول الزيادة في أجسامهم ، ومنهم من حمل هذا اللفظ على الزيادة في القوة ، وذلك لأن القوى والقدر متفاوتة ، فبعضها أعظم وبعضها أضعف .
إذا عرفت هذا فنقول : لفظ الآية يدل على حصول الزيادة واعتداد تلك الزيادة ، فليس في اللفظ ألبتة ما يدل عليه إلا أن العقل يدل على أن تلك الزيادة يجب أن تكون زيادة عظيمة واقعة على خلاف المعتاد ، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر في معرض الإنعام فائدة . قال الكلبي : كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا ، وقال آخرون : تلك الزيادة هي مقدار ما تبلغه يدا إنسان إذا رفعهما ، ففضلوا على أهل زمانهم بهذا القدر ، وقال قوم يحتمل أن يكون المراد من قوله : { وزادكم في الخلق بسطة } كونهم من قبيلة واحدة متشاركين في القوة والشدة والجلادة ، وكون بعضهم محبا للباقين ناصرا لهم وزوال العداوة والخصومة من بينهم ، فإنه تعالى لما خصهم بهذه الأنواع من الفضائل والمناقب فقد قرر لهم حصولها ، فصح أن يقال : { وزادكم في الخلق بسطة } ولما ذكر هود هذين النوعين من النعمة قال : { فاذكروا آلاء الله } وفيه بحثان :
البحث الأول : لا بد في الآية من إضمار ، والتقدير : واذكروا آلاء الله واعملوا عملا يليق بتلك الإنعامات لعلكم تفلحون . وإنما أضمرنا العمل لأن الصلاح الذي هو الظفر بالثواب لا يحصل بمجرد التذكر بل لا بد له من العمل ، واستدل الطاعنون في وجوب الأعمال الظاهرة بهذه الآية وقالوا : إنه تعالى رتب حصول الصلاح على مجرد التذكر ، فوجب أن يكون مجرد التذكر كافيا في حصول الصلاح . وجوابه ما تقدم من أن سائر الآيات ناطقة بأنه لا بد من العمل . والله أعلم .
البحث الثاني : قال ابن عباس : { آلاء الله } أي نعم الله عليكم . قال الواحدي : واحد لآلاء إلى وألوا وإلى . قال الأعشى :
أبيض لا يرهب الهزال ولا *** يقطع رحما ولا يخون إلي
قال نظير الآلاء الآناء ، واحدها : أنا وإني وإني ، وزاد صاحب «الكشاف » في الأمثلة فقال : ضلع وأضلاع ، وعنب وأعناب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.