الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (69)

قوله تعالى : { إِذْ جَعَلَكُمْ } : في " إذ " وجهان أحدهما : أنه ظرفٌ منصوبٌ بما تضمَّنَتْه الآلاء من معنى الفعل كأنه قيل : واذكروا نِعَمَ اللهِ عليكم في هذا الوقت . ومفعولُ " اذكروا " محذوفٌ لدلالة قوله بعد ذلك : فاذكروا آلاءَ الله ، ولأنَّ قوله " إذ جعلكم خُلَفاء " ، وزادكم كذا هو نفس الآلاء ، وهذا ظاهرُ قولِ الحوفي . وقال الزمخشري : " إذ " مفعول اذكروا ، أي :/ اذكروا هذا الوقتَ المشتمل على النِّعَمِ الجسيمة " .

وقوله { فِي الْخَلْقِ } : يُحتمل أن يُراد به المصدر ، بمعنى في امتداد قاماتكم ، في حُسْن صُوَركم وعِظَم أجسامكم ، ويحتمل أن يُرادَ به معنى المفعول به أي : في المخلوقين بمعنى زادكم في الناس مثلكم بسطة عليهم ، فإنه لم يكن في زمانِهم مثلُهم في عِظَم الأَجْرام . وَرَدَ في التفسير أنَّ أقصرَهم ستون ذراعاً . وتقدَّم الخلاف في " بَسْطة " في البقرة .

قوله : { آلآءَ اللَّهِ } أي نِعَمه ، وهو جمعٌ مفردُه " إلْيٌ " بكسر الهمزة وسكونِ اللام كحِمْل وأحمال ، أو " أُلْي " بضم الهمزة وسكون اللام كقُفل وأقفال ، أو " إلَى " بكسرِ الهمزة وفتح اللام كضِلَع وأضلاع وعِنب وأعناب ، أو " أَلَى " بفتحها كقفا وأقفاء ، قال الأعشى :

*** أبيضُ لا يَرْهَبُ الهُزال ولا

يقطعُ رَحْمي ولا يَخُونُ إلى يُنشد بكسر الهمزة وهو المشهور وبفتحها ومثله " الآناء " جمع إنْي أو أُنْي أو إنَى أو أَنَى . وقال الأخفش : " إنْوٌ " . والآناء : الأوقات كقوله : { وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ } [ طه : 130 ] وسيأتي .