التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

ثم فصل سبحانه بعد ذلك حسن عاقبة الأخيار ، وسوء عاقبة الأشرار الذين لا يحسنون التدبر فى أنفسهم ، أو فيما حولهم ، فقال تعالى - : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ . . . هُوَ الغني الحميد } .

وقوله - تعالى - : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ } أى : ومن يتجه إلى الله - تعالى - ويذعن لأمره ، ويخلص له العبادة ، وهو محسن فى أقواله وأفعاله .

من يفعل ذلك { فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } والعربوة فى أصل معناها : تطلق على ما يتعلق بالشئ من عراه ، أى من الجهة التى يجب تعليقه منها . وتجمع على عرا .

والعروة من الدلو مقبضه ، ومن الثوب : مدخل زره .

والوثقى : تأنيث الأوثق ، وهو الشئ المحكم الموثق . يقال : وثق - بالضم - وثاقه ، أى : قوى وثبت فهو وثيق ، أى : ثابت محكم .

والمعنى : ومن يستسلم لأمر الله - تعالى - ويأتى بالأقوال والأفعال على وجه حسن ، فقد ثبت أمره ، واستقام على الطريقة المثلى ، وأمسك من الدين بأقوى سبب ، وأحكم رباط .

فقد شبه - سبحانه - المتوكل عليه فى جميع أموره ، المحسن فى أفعاله ، بمن ترقى فى حبل شاهق ، وتدلى منه ، فاستمسك بأوثق عروة ، من حبل متين مأمون انقطاعه .

وخص - سبحانه - الوجه بالذكر ، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حرمة ، فإذا خضع الوجه الذى هو أكرم الأعضاء ، فغيره أكثر خضوعا .

وقوله : { وإلى الله عَاقِبَةُ الأمور } أى : وإلى الله - تعالى - وحده تصير الأمور ، وترجع إليه ، وتخضع لحكمه وإرادته .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ وَإِلَىَ اللّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ } .

يقول تعالى ذكره : ومن يعبد وجهه متذللاً بالعبودة ، مقرّا له بالألوهة وَهُوَ مُحْسِنٌ يقول : وهو مطيع لله في أمره ونهيه فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى يقول : فقد تمسك بالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه من تمسك به وهذا مثل إنما يعني بذلك أنه قد تمسك من رضا الله بإسلامه وجهه إليه وهو محسن ، ما لا يخاف معه عذاب الله يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي السوداء ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى قال : لا إله إلاّ الله .

وقوله وَإلى اللّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ يقول : وإلى الله مرجع عاقبة كلّ أمر خيره وشرّه ، وهو المسائل أهله عنه ، ومجازيهم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل ، وقرأت عامة القراء «يسْلم » بسكون السين وتخفيف اللام .

وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن «يسَلّم » بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به{[9379]} ، و «الوجه » هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص ، و «المحسن » الذي جمع القول والعمل ، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان{[9380]} ، و { العروة الوثقى } استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك { بالعروة } ، و { الأمور } جمع أمر وليس بالمضاد للنهي .


[9379]:عدي الفعل [يسلم] هنا ب (إلى) فقيل: {ومن يسلم وجهه إلى الله} لأن المعنى أنه سلم نفسه إلى الله تعالى، كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه، والمراد: التوكل عليه والتفويض إليه. وعدي باللام في قوله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله} لأن المعنى أنه جعل وجهه وهو ذاته سالما لله، أي: خالصا له.
[9380]:وذلك في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، وفيه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأجابه صلوات الله وسلامه عليه، ثم سأله عن الساعة، فأجابه عن علاماتها، وكان فيما قال له عن الإسلام: (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). وقد سبق ذكر هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى: {هدى ورحمة للمحسنين} من هذه السورة. الآية رقم 3 ص 482 وما بعدها.