التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

ثم حض - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - على المضى فى دعوته فقال : { فَلِذَلِكَ فادع } .

واسم الإِشارة يعود إلى ما سبق الحديث عنه من ذم التفرق ، ومن الأمر بإقامة الدين ، أى : فلأجل ما أمرناك به من دعوة الناس إلى إقامة الدين وإلى النهى عن الاختلاف والتفرق ، من أجل ذلك فادع الناس إلى الحق الذى بعثناك به ، وإلى جمعهم على كلمة التوحيد ، التى تجعلهم يعيشون حياتهم آمنين مطمئنين .

{ واستقم كَمَآ أُمِرْتَ } أى : واستقم على الصراط الذى كلفناك بالسير على نهجه . والزم المنهج القويم الذى أمرناك بالتزامه .

{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } أى : ولا تتبع شيئا من أهواء هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا .

{ وَقُلْ } لهم بكل ثبات وقوة { آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ الله مِن كِتَابٍ } أى : آمنت بكل ما أنزله - تعالى - من كتب سماوية ، فالمراد بالكتاب : جنسه .

{ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أى : وأمرنى ربى أن أعدل بينكم فى الحكم عند رفع قضاياكم إلىّ ، فإن العدل شريعة الله تعالى .

{ الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أى : الله - تعالى - وحده هو الخالق لنا ولكم ، وهو المنعم علينا وعليكم بالنعم التى لا تحصى .

{ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أى : لنا أعمالنا التى سيحاسبنا الله عليها يوم القيامة ، ولكم أنتم أعمالكم التى ستحاسبون عليها ، فنحن لا نسأل عن أعمالكم وأنتم لا تسألون عن أعمالنا .

{ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أى : لا احتجاج ولا خصومة بيننا وبينكم ، لأن الحق قد ظهر ، فلم يبق للجدال أو الخصام حاجة بيننا وبينكم .

{ الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المصير } أى . الله - تعالى - يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة ، وإليه وحده ، مصيرنا ومصيركم ، وسيجازى كل فريق منا ومنكم بما يستحقه من جزاء .

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على عشر جمل ، هذه الجمل الكريمة قد جاءت بأسمى ألوان الدعوة إلى الله - تعالى - بالحكمة والموعظة الحسنة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 15 )

يقول تعالى ذكره : فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم ، ووصّى به نوحا ، وأوحاه إليك يا محمد ، فادع عباد الله ، واستقم على العمل به ، ولا تزغ عنه ، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة . وقيل : فلذلك فادع ، والمعنى : فإلى ذلك ، فوضعت اللام موضع إلى ، كما قيل : بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا وقد بيَّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا .

وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك ، في قوله : ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ ) إلى معنى هذا ، ويقول : معنى الكلام : فإلى هذا القرآن فادع واستقم . والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه ، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام ، لأنه في سياق خبر الله جلّ ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بإقامته ، ولم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره .

وقوله : ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) يقول تعالى ذكره : ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم ، فتشك فيه ، كالذي شكوا فيه .

يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد : صدّقت بما أنزل الله من كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب ، توراة كان أو إنجيلا أو زبورا أو صحف إبراهيم ، لا أكذب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب ، وتصديقكم ببعض .

وقوله : ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد : وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب ، فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه .

كالذي حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) قال : أمر نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعدل ، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه . والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ للمظلوم من الظالم ، وللضعيف من الشديد ، وبالعدل يصدّق الله الصادق ، ويكذّب الكاذب ، وبالعدل يردّ المعتدي ويوبخه .

ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام : كان يقول : ثلاث من كن فيه أعجبني جدا : القصد في الفاقة والغنى ، والعدل في الرضا والغضب ، والخشية في السر والعلانية ؛ وثلاث من كن فيه أهلكه : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه . وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مؤمنة .

واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله : ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) فقال بعض نحويي البصرة : معناها : كي ، وأمرت كي أعدل ؛ وقال غيره : معنى الكلام : وأمرت بالعدل ، والأمر واقع على ما بعده ، وليست اللام التي في لأعدل بشرط ؛ قال : ( وَأُمِرْتُ ) تقع على " أن " وعلى " كي " واللام أمرت أن أعبد ، وكي أعبد ، ولأعبد . قال : وكذلك كلّ من طالب الاستقبال ، ففيه هذه الأوجه الثلاثة .

والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل ، لأن معناه : وأمرت بالعدل بينكم .

وقوله : ( اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ) يقول : الله مالكنا ومالكم معشر الأحزاب ما أهل الكتابين التوراة والإنجيل .

يقول : لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال ، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها .

وقوله : ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ) يقول : لا خصومة بيننا وبينكم . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؛ والحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم ) قال : لا خصومة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عز وجل : ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ) لا خصومة بيننا وبينكم ، وقرأ : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . . . . إلى آخر الآية .

وقوله : ( اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ) يقول : الله يجمع بيننا يوم القيامة ، فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه . ( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) يقول : وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا .

*****

16القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَالّذِينَ يُحَآجّونَ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }

يقول تعالى ذكره : والذين يخاصمون في دين الله الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من بعد ما استجاب له الناس ، فدخلوا فيه من الذين أورثوا الكتاب حُجّتُهُمْ داحِضَةٌ يقول : خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ يقول : وعليهم من الله غضب ، ولهم في الاَخرة عذاب شديد ، وهو عذاب النار .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دينهم ، وطمعوا أن يصدّوهم عنه ، ويردّوهم عن الإسلام إلى الكفر . ذكر الرواية عمن ذكر ذلك عنه :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبّهِمْ ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ، ولَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال : هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين ، ويصدّونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله . وقال : هم أهل الضلالة كان استجيب لهم على ضلالتهم ، وهم يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالّذِينَ يُحاجّونَ في اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ قال : طمع رجال بأن تعود الجاهلية .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الاَية وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتَجيبَ لَهُ قال : بعد ما دخل الناس في الإسلام .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَالّذِينَ يُحاجّونَ في الله مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ داحضَةٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال : هم اليهود والنصارى ، قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتَجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ داحِضَةٌ . . . الاَية ، قال : هم اليهود والنصارى حاجوا أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن أولى بالله منكم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَالّذِينَ يُحاجُونَ فِي اللّهِ . . . إلى آخر الاَية ، قال : نهاه عن الخصومة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

{ فلذلك } فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته . { فادع } إلى الاتفاق على الملة الحنفية أو الاتباع لما أوتيت ، وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع إلى لإفادة الصلة والتعليل . { واستقم كما أمرت } واستقم على الدعوة كما أمرك الله تعالى { ولا تتبع أهواءهم } الباطلة . { وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب } يعني جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض . { وأمرت لأعدل بينكم } في تبليغ الشرائع والحكومات ، والأول إشارة إلى كمال القوة النظرية وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية . { الله ربنا وربكم } خالق الكل ومتولي أمره . { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } وكل مجازى بعمله . { لا حجة بيننا وبينكم } لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد . { الله يجمع بيننا } يوم القيامة . { وإليه المصير } مرجع الكل لفصل القضاء ، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسا حتى تكون منسوخة بآية القتال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

اللام في قوله : { فلذلك } قالت فرقة : هي بمنزلة إلى ، كما قال تعالى : { بأن ربك أوحى لها }{[10121]} أي إليها ، كأنه قال : فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد { فادع } ، وقالت فرقة : بل هي بمعنى من أجل كأنه قال : فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا { فادع } أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به . وخوطب عليه السلام بأمر الاستقامة ، وقد كان مستقيماً ، بمعنى : دم على استقامتك ، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام ، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت شديدة الموقع من نفسه ، أعني قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10122]} [ هود : 112 ] لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة ، وفي هذا المعنى قال عليه السلام : «شيبتني هود وأخواتها » ، فقيل له : لم ذلك ؟ فقال : لأن فيها { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا{[10123]} .

وقوله تعالى : { ولا تتبع أهواءهم } يعني قريشاً فيما كانوا يهوونه من أن يعظم آلهتهم وغير ذلك ، ثم أمره تعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله ، وهو أمر يعم سائر أمته .

وقوله تعالى : { وأمرت لأعدل بينكم } قالت فرقة : اللام في { لأعدل } بمعنى : أن ، التقدير : بأن أعدل بينكم . وقالت فرقة المعنى : وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم ، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه .

وقوله : { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف .

وقوله : { لا حجة بيننا وبينكم } أي لا جدال ولا مناظرة ، قد وضح الحق وأنتم تعاندون ، وفي قوله تعالى : { الله يجمع بيننا } وعيد .


[10121]:الآية 5 من سورة (الزلزلة).
[10122]:أخرجه الترمذي في سورة (الواقعة).
[10123]:أخرجه في الطهارة ابن ماجه ومالك في موطئه، وأخرجه الدارمي في الوضوء، وأحمد في مسنده (5-277، 282)، وهو عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن). قال ابن الأثير في النهاية: "أي: استقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا، ولن تطيقوا الاستقامة) من قوله تعالى: {علم أن لن تحصوه}، أي لن تطيقوا عده وضبطه).