{ كَبُرَ عَلَيْكُمْ } عظم عليكم وشقّ وثقل . ومنها قوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } [ البقرة : 45 ] . ويقال : تعاظمه الأمر { مَّقَامِى } مكاني ، يعني نفسه ، كما تقول : فعلت كذا لمكان فلان : وفلان ثقيل الظل . ومنه : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } [ الرحمن : 46 ] بمعنى خاف ربه . أو قيامي ومكثي بين أظهركم مدداً طوالاً أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً أو مقامي وتذكيري ؛ لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ، ليكون مكانهم بيناً وكلامهم مسموعاً ، كما يحكى عن عيسى صلوات الله عليه أنه كان يعظ الحواريين قائماً وهم قعود { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ } من أجمع الأمر ، وأزمعه ، إذا نواه وعزم عليه . قال :
هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْماً وَأَمْرِي مُجْمعُ ***
والواو بمعنى «مع » يعني : فأجمعوا أمركم مع شركائكم . وقرأ الحسن : «وشركاؤكم » بالرفع عطفاً على الضمير المتصل ، وجاز من غير تأكيد بالمنفصل لقيام الفاصل مقامه لطول الكلام ، كما تقول : اضرب زيداً وعمرو . وقرئ : «فاجمعوا » من الجمع . وشركاءكم نصب للعطف على المفعول ، أو لأنّ الواو بمعنى «مع » وفي قراءة أبيّ : «فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم » فإن قلت : كيف جاز إسناد الإجماع إلى الشركاء ؟ قلت : على وجه التهكم ، كقوله : { قُلِ ادعوا شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ } [ الأعراف : 195 ] فإن قلت : ما معنى الأمرين ؟ أمرهم الذي يجمعونه ، وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة ؟ قلت : أمّا الأمر الأوّل فالقصد إلى إهلاكه ، يعني : فأجمعوا ما تريدون من إهلاكي واحتشدوا فيه وابذلوا وسعكم في كيدي . وإنما قال ذلك إظهاراً لقلة مبالاته وثقته بما وعده ربه من كلاءته وعصمته إياه ، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلاً . وأما الثاني ففيه وجهان ، أحدهما : أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروهة عندهم ، يعني : ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة وحالكم عليكم غمة : أي غماً وهماً ، والغم والغمة ، كالكرب والكربة . والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأوّل ، والغمة السترة من غمه إذا ستره . ومنها قوله عليه السلام : " ولا غمة في فرائض الله " أي لا تستر ، ولكن يجاهر بها ، يعني : ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستوراً عليكم ولكن مكشوفاً مشهوراً تجاهرونني به { ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ } ذلك الأمر الذي تريدون بي ، أي : أدّوا إليَّ قطعه وتصحيحه ، كقوله تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر } [ الحجر : 66 ] أو أدّوا إليّ ما هو حق عليكم عندكم من هلاكي كما يقضي الرجل غريمه { وَلاَ تُنظِرُونَ } ولا تمهلوني . قرىء : «ثم افضوا إليّ » بالفاء بمعنى : ثم انتهوا إليّ بشرّكم . وقيل : هو من أفضى الرجل إذا خرج إلى الفضاء ، أي أصحروا به إليَّ وأبرزوه لي { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.