بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

قوله تعالى : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } فإن لم تعتبروا بذلك ، فاتْلُ عليهم ، يعني : اقرأ عليهم خبر نوح في القرآن ، { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يا قوم *** إن **كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ } يعني : عظم ، وثَقُلَ { مَّقَامِى } طول مقامي فيكم { وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ الله } يعني : وعظي لكم بالله تعالى . وعظته بالله تعالى ما ذُكِرَ في سورة نوح ، وهو قوله : { فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] إلى قوله : { الذى خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقًا مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ } [ لملك : 3 ] الآية . فلمَّا وعظهم بذلك أرادوا قتله ، حين قالوا : { لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين } أي من المقتولين بالحجارة . فقال لهم نوح : { إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى } فيكم وعظتي لكم { فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ } أي وثقت ، وفوَّضت أمري إلى الله تعالى ، { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ } يعني : كيدكم . ويقال : قولكم ، وعملكم ؛ { وَشُرَكَاءكُمْ } يعني : وادعوا شركاءكم { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ } أي : امضوا إليَّ { وَلاَ تُنظِرُونَ } أي : ولا تمهلون .

ويقال : اقضوا ما أنتم قاضون ، واستعينوا بآلهتكم . ويقال : اعملوا بما في أنفسكم من الشَّرِّ . وروي عن نافع أنه قرأ : { فَأَجْمِعُواْ } بالوصل والجزم ، مِنْ جمعت . وقرأ الباقون : { فَأَجْمِعُواْ } بالقطع من الإجماع . وقرأ الحسن البصريُّ ، ويعقوب الحَضْرَمِيُّ : { شُرَكَاءكُمُ } أي : أين شركاؤكم ليجمعوا أمرهم معكم ، ويعينوكم ؟ { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } يقول : أظهروا أمركم فلا تكتموه . يعني : القتل . وقال القتبِيُّ : الغُمَّةُ والغَمُّ واحد ، كما يقال : كُرْبَةٌ وكَرْبٌ . أي : لا يكن أمركم غمّاً عليكم { ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ } أي : اعملوا بما تريدون ، كقوله : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات والذى فَطَرَنَا فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هذه الحياة الدنيآ } [ طه : 72 ] .