غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

71

التفسير : لما بالغ في تقرير الدلائل والبينات والجواب عن الشبهات شرع في قصص الأنبياء المتقدمين ، لأن نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب أقرب إلى انشراح الصدور ودفع الملال مع أن في ذكرها تسلية للرسول وعبرة للمعتبر إلى غير ذلك من الفوائد التي سبق ذكرها في «الأعراف » . ومعنى كبر ثقل وشق كقوله : { وإنها لكبيرة } [ البقرة : 45 ] وفي مقامي وجوه منها : أنه زيادة كقولك : فعلت كذا لمكان فلان أي لأجله ، وكقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه } [ الرحمن : 46 ] أي ربه ومثله قولهم : فلان ثقيل الظل . ومنها أن يراد به المكث أي شق عليكم مكثي بين أظهركم مدداً طوالاً ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ولا شك أن من ألف طريقة ويدعى إلى خلافها ولاسيما إذا تكرر الدعاء كان ذلك موجباً للتنفر والثقل ، وخاصة إذا كانت تلك الطريقة مقتضاة النفس والطبيعة الداعيتين إلى اللذات العاجلة . ومنها أن يكون المقام بمعنى القيام لأنهم كانوا يقومون على أرجلهم في الوعظ والتذكير ليكون مكانهم بيناً وكلامهم مسموعاً كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائماً وهم قعود . وجواب الشرط إما قوله : { فعلى الله توكلت } أي إن شدة بغضكم لي تحملكم على الإقدام على إيذائي وأنا لا أقابل ذلك الشر بالتوكل على الله فإن ذلك هجيراي قديماً وحديثاً وإما قوله : { فأجمعوا } وقوله : { فعلى الله توكلت } اعتراض كقولك : إن كنت أنكرت عليّ شيئاً فالله حسبي فاعمل ما تريد . ولا يحسن أن يقال : إن الفاء الثانية عاطفة للاختلاف طلباً وخبراً ، ومعنى { فأجمعوا أمركم } اعزموا عليه من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء . وقال أبو الهيثم : أجمع أمره أي جعله جميعاً بعدما كان متفرقاً وتفرقه أنه يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا ، فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعاً . فهذا هو الأصل في الإجماع ثم صار بمعنى العزم حتى وصل ب «على » فقيل : أجمعت على الأمر أي عزمت عليه والفصيح أجمعت الأمر ، والمراد بالأمر وجوه مكرهم وكيدهم . وانتصب { شركاءكم } على المفعول معه أي مع شركائكم . ومن قرأ بالرفع جعله عطفاً على الضمير المتصل ، وإنما يحسن ذلك من غير تأكيد بالمنفصل للفصل . والمراد بالشركاء إما من هم على مثل قولهم ودينهم ، وإما الأصنام . وحسن إسناد الإجماع إليهم على وجه التهكم كقوله : { قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون } [ الأعراف : 195 ] واعلم أنه عليه السلام قال في أول الأمر { فعلى الله توكلت } ليدل على أنه واثق بوعد الله جازم بأن تهديدهم إياه بالقتل لا يضره ، ثم أورد عليهم ما يدل على صحة دعواه فقال : { فأجمعوا أمركم } كأنه قال : حصلوا كل ما تقدرون عليه من الأسباب المؤدية إلى مطلوبكم غير مقتصرين على ذلك بل ضامين إلى أنفسكم شركاءكم الذين تزعمون أن حالكم يقوى بمكانهم . ثم ضم إلى ذلك قيداً آخر فقال : { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } قال أبو الهيثم : أي مبهماً من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم أي التبس . وقال الليث : لقي غمة من أمره إذا لم يهتد له . وقال الزجاج : أي ليكن أمركم الذي أجمعتموه ظاهراً منكشفاً أي تجاهرونني بالإهلاك . ويحتمل أن يراد بهذا الأمر العيش والحال أي أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة وحالكم عليكم غمة أي غماً وهماً والغم والغمة كالكرب والكربة . ثم زاد قيداً آخر فقال : { ثم اقضوا إليّ } ذلك الأمر الذي تريدون بي أي أدوا إليّ قطعه واحكموا بصحته وإمضائه . وعن القفال أن فيه تضميناً والمعنى ألقوا إليّ ما استقر عليه رأيكم محكماً مفروغاً منه . ثم ختم الكلام بقوله : { ولا تنظرون } أي عجلوا ذلك بأشد ما تقدرون عليه من غير إهمال ، ومعلوم أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عمن بلغ في التوكل الغاية القصوى . ثم بين أن كل ما أتى به فإن ذلك فارغ من الطمع الدنيوي والغرض الخسيس فقال : { فإن توليتم } .

/خ92