تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ 71 فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ 72 فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ 73 }

المفردات :

نبأ نوح : النبأ : الخبر الذي له شأن وخطر .

كبر عليكم مقامي : شق وعظم عليكم قيامي ووجودي بينكم .

فأجمعوا أمركم : إجماع الأمر : العزم عليه ، تقول : أجمعت الأمر وأجمعت عليه . أي : عزمته وأردته بهمة و مضاء عزيمة ، والصيغة الأولى أفصح من الثانية ، وقال أبو الهيثم : أجمع أمره : جعله مجموعا بعد ما كان متفرقا .

غمة : أي : مستورا ، من غمه ؛ إذا ستره .

اقضوا إلى : أي : أدوا إلى الأمر الذي تريدونه بي .

ولا تنظرون : ولا تمهلوني .

التفسير :

71 { واتل عليهم نبأ نوح . . . } الآية .

نوع القرآن في أساليب دعوته للحق والإيمان ؛ فهو قد جابه المشركين في الآيات السابقة ، وفند شبههم ، وانتقل إلى نقل جانب من قصص المرسلين السابقين .

وفي ذكر هذا القصص حكم متعددة من بينها ما يأتي :

1 تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بذكر قصص الرسل السابقين ، وبيان ما تعرضوا له من البلاء وبذلك يهون عليه ما يلقاه من قومه .

2 بيان عاقبة المكذبين من الهلاك ، وجزاء المؤمنين من النصر ، وفي هذا تهديد للمشركين ؛ حتى تلين قلوبهم نحو الحق ، و تثبيت للمؤمنين ؛ حتى يثقوا بوعد الله في النصر .

3 تنويع القول ؛ لأن الكلام إذا سار على وتيرة واحدة ؛ فربما أصاب السامع شيء من الملالة ؛ كما يقول الإمام الرازي في تفسيره ، وفي ذكر القصص ؛ دفع للسآمة والملل .

قال تعالى : { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } . ( طه : 113 ) .

{ واتل عليهم نبأ نوح } . أي : واذكر لقومك يا محمد : قصة نوح عليه السلام وقد ذكرت قصة نوح بصورة أكثر تفصيلا في سورة الأعراف ، وهود ، والمؤمنون ، وسورة نوح . . .

لكنها ذكرت هنا بصورة مجملة لإبراز جانب التحدي من رسول لا يملك جيشا ولا قوة { وما آمن معه إلا قليل } . ( هود : 40 ) ، ولكنه هنا يجاهر قومه ، بأنه بلغ الرسالة لهم خلال عمر طويل هو : { ألف سنة إلا خمسين عاما } . ( العنكبوت : 14 ) .

ولكنهم صموا آذانهم عن سماع الحق ، وأغلقوا عقولهم عن النظر في أدلة الإيمان ودعوته ، وهنا أزمع نوح أمره على هجرهم وتحديهم .

{ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ } .

وفي الآية فقرات تحتاج بعض التوضيح وهي :

1 { إن كان كبر عليكم مقامي } .

أي : شق عليكم طول مكثي بينكم وطول دعوتكم إلى الإيمان والتوحيد .

2 { فعلى الله توكلت } .

لقد اعتمدت على الله القوي الجبار ذي القوى المتين ؛ فلا أخاف منكم ولا أتهدد من وعيدكم ، ولا أبالي بمكركم وكيدكم .

3 { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } .

أي : اتخذوا قرارا جماعيا بشأن دعوتي ، واجمعوا معكم الأصنام التي تعبدونها وترجون نصرتها يقال : أجمع أمره على كذا ، أي : استقر على قرار بشأنه بعد كان الرأي فيه مشتتا متفرقا .

قال الشاعر :

أجمعوا أمرهم عشاء فلما *** أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

من مناد ومن مجيب ومن تص *** هال خيل خلال ذاك رغاء

أي : أنهم باتوا على نية السفر في الصباح وأجمعوا أمرهم عليه .

4 { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } .

غمة : أي : خفيا مستورا ؛ بل اجعلوه ظاهرا واضحا علنا ، ومنه الحديث الشريف : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم الهلال ؛ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ) . xxx

ومعنى الحديث : «فإن غم » أي : إن استتر الهلال ، وحال دون رؤيته لكم حائل من غيم أو ضباب ؛ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما .

وإنما قال نوح ذلك ؛ إظهارا لقلة مبالاته بهم ، وثقة بأن الله سينصره ويحفظه ، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلا .

{ ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } .

وهذه الجملة زيادة في تحديهم وإثارتهم . أي : أنفذوا قضاءكم ، الذي تريدون أداءه نحوي : من إيذائي أو إهلاكي ، بدون إنظار أو إمهال ويصح أن يكون القضاء بمعنى : الحكم . أي : ثم احكموا علي بما تريدون من أحكام ، ولا تتركوا لي مهلة في تنفيذها ، بل نفذوها في الحال .

وكل ما في الآية يؤيد ثقة نوح بنصر الله ، وعدم مبالاته بكيدهم أو وعيدهم ؛ فهو نموذج للداعية المؤمن الثابت أمام الباطل ؛ الواثق بعون الله ونصره .

ومعنى الآية : يا قوم ، إن كان قد شق عليكم مقامي فيكم ، وتذكيري إياكم بآيات الله ، الدالة على وحدانيته ، فأجمعوا ما تريدون جمعه من مكر وكيد ، ثم ادعوا شركاءكم ؛ ليساعدوكم في ذلك ، ولا تجعلوا أمركم الذي تعتزمونه خفيا ملتبسا عليكم بل أظهروه لي وتبصروا فيه ؛ فإن كنتم ترون أنكم محقون ، فاقضوا إلى ذلك الأمر ، ونفذوه بالفعل ، ولا تؤخروني ساعة واحدة ، عن تنفيذ هذا القضاء ، ومهما قدرتم فافعلوا ؛ فأنا لا أبالي بكيدكم ؛ لأني توكلت على الله ربي وربكم .

وهذا الموقف من نوح عليه السلام ، مشابه لموقف هود عليه السلام حين قال لقومه :

{ إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } . ( هود : 54 56 )

وكذا يتبين الفرق بين موقف المؤمن الراسخ الإيمان الذي لا يعرف التردد ، وبين موقف الكافر الضعيف المتردد ، الذي لا ملاذ له إلا بالقوة الوهمية للشركاء ، الآلهة المزعومة .