الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} (71)

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ } اقرأ يا محمد على أهل مكة { نَبَأَ } خبر { نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ولد وأهل { يقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ } عظُم وثقل وشق { عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } فلو شق مكثي بين أظهركم { وَتَذْكِيرِي } ووعظي إياكم { بِآيَاتِ اللَّهِ } بحججه وبيناته فعزمتم على قتلي أو طردي { فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ } فبالله وثقت { فَأَجْمِعُواْ } قرأه العامة بقطع الألف وكسر الميم أي فأعدوا وأبرموا وأحكموا { أَمْرَكُمْ } فاعزموا عليه . قال المؤرخ : أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه ، وأنشد :

يا ليت شعري والمنى لا تنفع *** هل أغدون يوماً وأمري مجمع

وقرأ الأعرج والجحدري موصولة مفتوحة الميم من الجمع اعتباراً بقوله فجمع كيده ، وقال أبو معاذ : ويجوز أن يكون بمعنى وأجمعوا أي فأجمعوا واحد يقال : جمعت وأجمعت بمعنى واحد .

قال أبو ذؤيب : [ عزم عليه كأنه جمع نفسه له ، والأمر مجمع ] { وَشُرَكَآءَكُمْ } فيه إضمار أي : وادعوا شركاءكم أي آلهتكم فاستعينوا ، وكذلك في مصحف أُبي ؛ وادعوا شركاءكم ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وسلام ويعقوب : وشركاؤكم رفعاً على معنى : فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم ، أي وليجمع معكم شركاؤكم ، واختار أبو عبيد وأبو حاتم النصب لموافقة الكتاب وذلك أنه ليس فيه واو .

{ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي خفياً مظلماً ملتبساً مبهماً من قولهم : غمّ الهلال على الناس إذا أشكل عليهم فلم يتبيّنوه ، قال طرفة :

لعمرك ما أمري عليّ بغمّة *** نهاري وما ليلي عليَّ بسرمد

وقيل : هو من الغمّ لأن الصدر يضيق فلا يتبين صاحبه لأمره مصدراً ينفرج عنه ما بقلبه ، قالت الخنساء :

وذي كربة راخى ابن عمرو خناقه *** وغمته عن وجهه فتجلت

{ ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ } أي آمنوا إلى ما في أنفسكم أو افرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات ومضى وقضى منه إذا فرغ منه .

وقال الضحاك : يعني انهضوا إليَّ ، وحكى الفراء عن بعض القرّاء : افضوا إليَّ بالفاء ، أي توجهوا حتى تصلوا إليَّ ، كما يقال أنصت [ الخلائق ] إلى فلان وأفضى إلى الوجه { وَلاَ تُنظِرُونَ } ولا تؤمرون ، وهذا إخبار من الله تعالى عن نبيه نوح ( عليه السلام ) أنه كان من نصر الله واثقاً ومن كيد قومه وبوائقهم غير خائف علماً منه بأنهم وآلهتهم لا تنفع ولا تضر شيئاً إلاّ أن يشاء الله ، وتعزية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه