فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا} (83)

{ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " ( {[1482]} ) ، نهى الله تعالى وذم من إذا أتاهم نبأ مما يوجب الأمن أو الحذر والخوف نشره في الناس ؛ ومن هذا يعلم أن المؤمن مطالب بعدم التحديث بالشيء قبل تحقيقه والتثبت من صحته ؛ { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الرجل العين : إذا حفرها واستخرجها من قعورها ، في الصحيحين عن عمر بن الخطاب حديث ، ومنه أنه حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه جاء من منزله حتى دخل المسجد ، فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فاستفهمه : أطلقت نساءك ؟ ، فقال : " لا " فقلت الله أكبر ، وذكر الحديث . . ، وفي صحيح مسلم : فقلت : أطلقتهن ؟ فقال : " لا " فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه ، ونزلت هذه الآية : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه } ، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ؛ يقول علماء الأحكام : وهو يدل على الاجتهاد إذا عدم النص والإجماع ؛ لأن أولي الأمر يستخرجون على علم ما ينبغي أن يفشي وما ينبغي أن يكتم ؛ { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } قال ابن زيد : هذه الآية مقدمة ومؤخرة ، إنما هي : أذاعوا به إلا قيلا منهم ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير ؛ - المراد بالفضل والرحمة ههنا : نصرته تعالى ومعونته اللذان تمناهما المنافقون بقولهم : { فأفوز فوزا عظيما } ، والتقدير : لولا حصول النصر والظفر على سبيل التتابع لتركتم الدين إلا القليل منكم ، وهم أهل البصائر والعزائم من أفاضل المؤمنين ، الذين يعلمون أنه ليس من شرط كونه حقا حصول الدولة في الدنيا ، فلا تواتر الفتح والظفر يدل على كونه حقا ، ولا انقطاع النصر والغلبة يدل على كونه باطلا ، بل الأمر في كونه حقا وباطلا مبني على الدليل-( {[1483]} ) .


[1482]:وفي الصحيح:" من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
[1483]:مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن.