فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفتح

مدنية

وآياتها تسع وعشرون

كلماتها : 560 ؛ حروفها : 2438 .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا( 1 ) } .

نزلت هذه الآية الكريمة منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية في أواخر السنة السادسة من الهجرة النبوية ، ومع أنهم صدّوا النبي ومن معه من المؤمنين عن أداء عمرتهم التي خرجوا لها فإنه كان فتحا ظاهرا بينا ، أليس قد سألوا المسلمين أن يعتمروا في العام الثاني ؟ . . أو ليسوا قد رغبوا في الأمان ؟ . وما طلبوا الصلح إلا بعد أن ظهر المسلمون عليهم .

قال الزهري ما حاصله : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة ، فلما اختلط المشركون بالمسلمين وسمعوا كلامهم ، تمكن الإسلام من قلوبهم ، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام . وما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه .

[ وأصل الفتح إزالة الإغلاق ؛ وفتح البلد : . . . الظفر به عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره ، لأنه منغلق ما لم يُظفر به وحصل في اليد فقد فتح . . ويجوز أن يكون ذلك إخبارا عن جعل المشركين في الحديبية مغلوبين خائفين طالبين للصلح ، ويكون الفتح مجازا عن ذلك ، وإسناده إليه تعالى حقيقة . . . والتأكيد بإنّ للاعتناء لا لرد الإنكار ]{[5009]} .

نقل ابن كثير عن البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية . كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشر مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا .

أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو داوود والنسائي وجماعة عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عام ست بعد الهجرة ، وكان قد خرج إليها عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين هلال ذي القعدة ، فأقام بها بضعة عشر يوما ، وقيل : عشرين يوما ، ثم قفل عليه الصلاة والسلام ، فبينما نحن نسير أتاه الوحي- وكان إذ أتاه اشتد عليه- فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله تعالى ، فأخبرنا أنه أنزل عليه : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وأخرج أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يردّ عليّ ، فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن ، فما نشبت إذ سمعت صارخا يصرخ بي فوجفت وأنا أظن أنه نزل فيّ شيء ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد أنزلت عليّ الليلة سورة أحب إليّ من الدنيا وما فيها { إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } ) .

مما نقل النيسابوري : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة أحب أن يزور بيت الله الحرام بمكة فخرج قاصدا نحوه في سنة ست من الهجرة وخرج معه أولو البصيرة وتخلف من كان في قلبه مرض ظنا منه أنه لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا واصطحب سبعين بدنة لينحرها بمكة ، ولما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم بالعمرة لتعلم قريش أنه لم يأت لقتال ، وكانوا ألفا وثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة . . . فجاءه عروة بن مسعود لإيقاع صلح ، فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : أي محمد ! . رأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله ؟ . فلما عاد إلى قريش قال : لقد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك ، وما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا . . وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه ؛ فلما اتفقوا على الصلح جاء سهيل بن عمرو المخزومي وتصالحوا على أن لا يدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة سنته بل يعود في القابل ويقيم ثلاثة أيام ثم ينصرف . اه


[5009]:الألوسي