الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

{ فِى الدنيا والأخرة } إمّا أن يتعلق بتتفكرون ، فيكون المعنى : لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين ؛ فتأخذون بما هو أصلح لكم ؛ كما بينت لكم أنّ العفو أصلح من الجهد في النفقة ، أوتتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع . ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله : { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا . حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم .

وإمّا أن يتعلق { يبين } على معنى : يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون ، لما نزلت { إِنَّ الذى يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً } [ النساء : 10 ] اعتزلوا اليتامى وتحاموهم وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم ، فشق ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج . فقيل { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } وتعاشروهم ولم تجانبوهم { ف } هم { إخوانكم ْ } في الدين ، ومن حق الأخ أن يخالط أخاه ، وقد حملت المخالطة على المصاهرة { والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح } أي لا يخفى على الله من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه على حسب مداخلته ، فاحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح { وَلَوْ شَاء الله لاعْنَتَكُمْ } لحملكم على العنت وهو المشقة وأحرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم . وقرأ طاوس : «قل إصلاح إليهم » . ومعناه إيصال الصلاح وقرىء : «لعنتكم » ، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام ، وكذلك { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } . { إنالله عَزِيزٌ } [ البقرة : 173 ] غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه { حَكِيمٌ } لا يكلف إلا ما تتسع فيه طاقتهم .