الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (96)

{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ } هو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين في قولهم : وجدت زيداً ذا الحفاظ ومفعولاه «هم أحرص » .

فإن قلت : لم قال : { على حياة } بالتنكير ؟ قلت : لأنه أراد حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة ، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبيّ «على الحياة » { وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ } محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس .

فإن قلت : ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس ؟ قلت : بلى ، ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد . ويجوز أن يراد : وأحرص من الذين أشركوا ، فحذف لدلالة أحرص الناس عليه . وفيه توبيخ عظيم : لأنّ الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا ، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم ، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقرّ بالجزاء كان حقيقاً بأعظم التوبيخ .

فإن قلت : لم زاد حرصهم على حرص المشركين ؟ قلت : لأنهم علموا لعلمهم بحالهم أنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك . وقيل : أراد بالذين أشركوا المجوس ، لأنهم كانوا يقولون لملوكهم : عش ألف نيروز وألف مهرجان . وعن ابن عباس رضي الله عنه : هو قول الأعاجم : زي هزار سال . وقيل : «ومن الذين أشركوا » كلام مبتدأ ، أي ومنهم ناس { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } على حذف الموصوف كقوله : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] والذين أشركوا على هذا مشارٌ به إلى اليهود ، لأنهم قالوا : عزير ابن الله . والضمير في { وَمَا هُوَ } لأحدهم و { أَن يُعَمَّرَ } فاعل ( بمزحزحه ) ، أي : وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره . وقيل : الضمير لما دلّ عليه ( يعمر ) من مصدره ، وأن ( يعمر ) بدل منه . ويجوز أن يكون «هو » مبهماً ، وأن «يعمر » موضحه . والزحزحة : التبعيد والإنحاء

فإن قلت : يودّ أجدهم ما موقعه ؟ قلت : هو بيان لزيادة حرصهم على طريق الإستئناف .

فإن قلت : كيف اتصل لو يعمر بيودّ أحدهم ؟ قلت : هو حكاية لودادتهم . و «لو » في معنى التمني ، وكان القياس : لو أعمر ، إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } كقولك : حلف بالله ليفعلنّ .