وجد : مشترك بين الإصابة والعلم والغنى والحرج ويختلف بالمصادر : كالوجدان والوجد والموجدة .
الودّ : المحبة للشيء والإيثار له ، وفعله : ودّ وهو على فعل يفعل ، وحكى الكسائي : وددت ، فعلى هذا يجوز كسر الواو ، إذ يكون فعل يفعل ، وفك الإدغام في قوله :
عمر : التضعيف فيه للنقل ، إذ هو من عمر الرجل : أي طال عمره ، وعمره الله : أطال عمره ، والعمر : مدة البقاء .
الألف : عشر من المئين ، وقد يتجاوز فيه فيدل على الشيء الكثير ، وهو من الألفة ، إذ هو ما لف أنواع الأعداد ، إذ العشرات مالف الآحاد ، والمئون ما لف العشرات ، والألف ما لف المئين .
الزحزحة : الإزالة والتنحية عن المقر .
بصير : فعيل من بصر به إذا رآه ، { فبصرت به عن جنب } ، ثم يتجّوز به فيطلق على بصر القلب ، وهو العلم .
{ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } : الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم .
ووجد هنا متعدّية إلى مفعولين : أحدهما الضمير ، والثاني أحرص الناس .
وإذا تعدّت إلى مفعولين كانت بمعنى علم المتعدّية إلى اثنين ، كقوله تعالى : { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } وكونها هنا تعدّت إلى مفعولين ، هو قول من وفقنا على كلامه من المفسرين .
ويحتمل أن يكون وجد هنا بمعنى لقي وأصاب ، ويكون انتصاب أحرص على الحال ، لكن لا يتم هذا إلا على مذهب من يرى أن إضافة أفعل التفضيل ليست بمحضة ، وهو قال الفارسي .
وقد ذهب إلى ذلك من أصحابنا الأستاذ أبو الحسن بن عصفور .
أما من قال بأنها محضة ، ولا يجيز في الحال أن تأتي معرفة ، فلا يجوز عنده في أحرص النصب على الحال .
وأحرص هنا هي أفعل التفضيل ، وهي مؤولة .
بمعنى من ، وقد أضيف إلى معرفة ، فيجوز فيها الوجهان : أحدهما : أن يفرد مذكره ، وإن كانت جارية على فرد ومثنى ومجموع ، ومذكر ومؤنث .
فمن الوجه الأول أحرص الناس ولو جاء على المطابقة ، لكان أحارص الناس ، أو أحرصي الناس .
ومن الوجه الثاني قوله : أكابر مجرميها ، كلا الوجهين فصيح .
وذكر أبو منصور الجواليقي أن المطابقة أفصح من الإفراد .
وذهب ابن السراج إلى تعين الإفراد ، وليس بصحيح .
وإذا أضيفت إلى معرفة ، كهذين الموضعين ، فشرط ذلك أن يكون بعض ما يضاف إليه ، ولذلك منع البصريون يوسف أحسن إخوته ، على أن يكون أحسن أفعل التفضيل ، وتأولوا ما ورد مما يشبهه ، وشذ نحو قوله :
يريد : أظلمنا حيث لم يضف أظلم إلى ما هو بعضه .
والضمير المنصوب في ولتجدنهم عائد على اليهود الذين أخبر عنهم بأنهم لا يتمنون الموت ، أو على جميع اليهود ، أو على علماء بني إسرائيل أقوال ثلاثة .
وأتي بصيغة أفعل من الحرص مبالغة في شدّة طلبهم للبقاء ودوام الحياة .
والناس : الألف واللام للجنس فتعم ، أو للعهد .
إما لأن يكون المراد جماعة من الناس معروفين غلب عليهم الحرص على الحياة ، أو لأن يكون المراد بذلك المجوس ، أو مشركي العرب ، لأن أولئك لا يوقنون ببعث ، فليس عندهم إلا نعيم الدنيا ، أو بؤسها ، ولذلك قال بعضهم :
تمتع من الدنيا فإنك فان *** من النشوات والنسا الحسان
إذا انقضت الدنيا وزال نعيمها *** فما لي في شيء سوى ذاك مطمع
{ على حياة } : قدروا فيه أنه على حذف مضاف ، أي على طول حياة ، أو على حذف صفة ، أي على حياة طويلة .
ولو لم يقدر حذف لصح المعنى ، وهو أن يكون أحرص الناس على مطلق حياة ، لأن من كان أحرص على مطلق حياة ، وهو تحققها بأدنى زمان ، فلأن يكون أحرص على حياة طويلة أولى ، وكانوا قد ذموا بأنهم أشد الناس حرصاً على حياة ، ولو ساعة واحدة .
وقرأ أبي : على الحياة ، بالألف واللام .
قال الزمخشري ما معناه : قراءة التنكير أبلغ من قراءة أبي ، لأنه أراد حياة مخصوصة ، وهي الحياة المتطاولة . انتهى .
وقد بينا أنه لا يضطر إلى هذه الصفة .
{ ومن الذين أشركوا } يجوز أن يكون متصلاً داخلاً تحت أفعل التفضيل ، فيكون ذلك من الحمل على المعنى ، لأن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس .
ويحتمل أن يكون ذلك من باب الحذف ، أي وأحرص من الذين أشركوا ، فحذف أحرص لدلالة أحرص الأول عليه .
والذين أشركوا : المجوس ، لعبادتهم النور والظلمة .
وقيل : النار ، أو مشركو العرب لعبادتهم الأصنام واتخاذهم آلهة مع الله أو قوم من المشركين كانوا ينكرون البعث ، كما قال تعالى : { يقول أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاماً نخرة } وعلى هذه الأقوال يكون : { ومن الذين أشركوا } تخصيصاً بعد تعميم ، إذا قلنا : إن قوله أحرص الناس عام ، ويكون في ذلك أعظم توبيخ لليهود ، إذ هم أهل كتاب يرجون ثواباً ويخافون عقاباً ، وهم مع ذلك أحرص ممن لا يرجو ذلك ولا يؤمن ببعث .
وإنما كان حرصهم أبلغ لعلمهم بأنهم صائرون إلى العقاب ، فكانوا أحب الناس في البعد منه ، لأن من توقع شراً كان أنفر الناس عنه ، فلما كانت الحياة سبباً في تباعد العقاب ، كانوا أحرص الناس عليها .
وعلى هذا الذي تقرّر من اتصال ، ومن الذين أشركوا بأفعل التفضيل ، فلا بد من ذكر من ، لأن أحرص الناس جرى على اليهود ، فلو عطفت بغير من لكان معطوفاً على الناس ، فيكون في المعنى : ولتجدنهم أحرص الذين أشركوا ، فكان أفعل يضاف إلى غير ما اندرج تحته ، لأن اليهود ليسوا من المشركين ، أعني المشركين الذين فسر بهم الذين أشركوا هنا ، لا إذا قلنا : إن الثواني في العطف يجوز فيها ما لا يجوز في الأوائل ، فإنه يصح ذلك .
وأما قول من زعم أن قوله : { ومن الذين أشركوا } معطوفاً على الضمير في قوله : ولتجدنهم ، أي ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة ، فيكون في الكلام تقديم وتأخير .
فهو معنى يصح ، لكن اللفظ والتركيب ينبو عنه ويخرجه عن الفصاحة ، ولا ضرورة تدعو إلى أن يكون ذلك من باب التقديم والتأخير ، لا سيما على قول من يخص التقديم والتأخير بالضرورة .
وهذا البحث كله على تقدير أن تكون الواو في : { ومن الذين أشركوا } لعطف مفرد على مفرد ، وأما إذا كانت لعطف الجمل ، فيكون إذ ذاك منقطعاً من الدخول تحت أفعل التفضيل ، ويكون ابتداء ، إخبار عن قوم من المشركين يودون طول الحياة أيضاً .
وتقدّم أن المعنيّ بالذين أشركوا : أهم المجوس ؟ أم مشركو العرب ؟ أم قوم من المشركين في الوجه الأول ؟ وأما على أن يكون استئناف إخبار ، فقال ابن عطية : هم المجوس ، لأن تشميتهم للعاطس بلغتهم معناه : عش ألف سنة .
وفي هذا القول تشبيه لبني إسرائيل بهذه الفرقة من المشركين .
قال الزمخشري : والذين أشركوا على هذا ، أي على أنه كلام مبتدأ ، مشار به إلى اليهود ، لأنهم قالوا عزير ابن الله .
فعلى هذا القول ، يكون قد أخبر أن من هذه الطائفة التي اشتدّ حرصها على الحياة من { يود } لو عمر ألف سنة ، فيكون ذلك نهاية في تمني طول الحياة ، ويكون الذين أشركوا من وقوع الظاهر المشعر بالعلية موقع المضمر ، إذ المعنى : ومنهم قوم يود أحدهم ، ويود أحدهم صفة لمبتدأ محذوف ، أي ومن الذين أشركوا قوم يود أحدهم ، وهذا من المواضع التي يجوز حذف الموصوف فيها ، كقوله تعالى : { وما منا إلا له مقام معلوم } { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } وكقول العرب : منا ظعن ومنا أقام ، وعلى أن تكون الواو في { ومن الذين أشركوا } لعطف المفرد على المفرد ، قالوا : ويكون قوله : { يود أحدهم } جملة في موضع الحال ، أي وادًّا أحدهم ، قالوا : ويكون حالاً من الذين ، فيكون العامل أحرص المحذوف ، أو من الضمير في أشركوا ، فيكون العامل أشركوا .
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المنصوب في ولتجدنهم ، أي ولتجدنهم الأحرصين على الحياة وادًّا أحدهم ، ويجوز أن يكون استئناف إخبار عنهم يبين حال أمرهم في ازدياد حرصهم على الحياة .
{ أحدهم } : أي واحد منهم ، وليس أحد هنا هو الذي في قولهم ما قام أحد ، لأن هذا مستعمل في النفي أو ما جرى مجراه .
والفرق بينهما أن أحداً هذا أصوله همزة وحاء ودال ، وأصول ذلك واو وحاء ودال .
فالهمزة في أحدهم بدل من واو ، ولا يراد بقوله : { يود أحدهم } أي يود واحد منهم دون سائرهم ، وإنما أحدهم هنا عام عموم البدل ، أي هذا الحكم عليهم بودهم أن يعمروا ألف سنة ، هو يتناول كل واحد واحد منهم على طريقة البدل .
فكان المعنى أنك إذا نظرت إلى حرص واحد منهم ، وشدّة تعلق قلبه بطول الحياة ، وجدته لو عمر ألف سنة .
{ لو يعمر ألف سنة } : مفعول الودادة محذوف تقديره : يود أحدهم طول العمر .
وجواب لو محذوف تقديره : لو يعمر ألف سنة لسر بذلك ، فحذف مفعول يود لدلالة لو يعمر عليه ، وحذف جواب لو لدلالة يود عليه .
هذا هو الجاري على قواعد البصريين في مثل هذا المكان .
وذهب بعض الكوفيين وغيرهم في مثل هذا إلى أن لو هنا مصدرية بمعنى أن ، فلا يكون لها جواب ، وينسبك منها مصدر هو مفعول يود ، كأنه قال : يود أحدهم تعمير ألف سنة .
فعلى هذا القول لا يكون في الكلام حذف ، وعلى القول الأول لا يكون لقوله : { لو يعمر ألف سنة } محل إعراب .
وعلى القول الثاني محله نصب على المفعول ، كما ذكرنا ، والترجيح بين القولين هو مذكور في علم النحو .
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف اتصل لو يعمر بيود أحدهم ؟ قلت : هو حكاية لودادتهم ، ولو في معنى التمني ، وكان القياس لو أعمر ، إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله : يود أحدهم ، كقولهم : حلف بالله ليفعلنّ .
وفيه بعض إبهام ، وذلك أن يود فعلى قلبي ، وليس فعلاً قولياً ، ولا معناه معنى القول .
وإذا كان كذلك ، فكيف تقول هو حكاية لودادتهم ؟ إلا أن ذلك لا يسوغ إلا على تجوّز ، وذلك أن يجري يود مجرى يقول ، لأن القول ينشأ عن الأمور القلبية ، فكأنه قال : يقول أحدهم عن ودادة من نفسه لو أعمر ألف سنة .
ولا تحتاج لو ، إذا كانت للتمني ، إلى جملة جوابية ، لأن معناها معنى : يا ليتني أعمر ، وتكون إذ ذاك الجملة في موضع مفعول على طريق الحكاية .
فتلخص بما قررناه في لو ثلاثة أقوال : أن تكون حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، وأن تكون مصدرية ، وأن تكون للمتني محكية .
ومعنى ألف سنة : العمر الطويل في أبناء جنسه ، فيكون ألف سنة كناية عن الزمان الطويل ، ويحتمل أن يزيد ألف سنة حقيقة ، وإن كان يعلم أنه لا يعيش ألف سنة ، لأن التمني يقع على الجائز والمستحيل عادة أو عقلاً ، فيكون هذا معناه أنهم لشدة حرصهم في ازدياد الحياة يتعلق تمنيهم في ذلك بما لا يمكن وقوعه عادة .
{ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر } : الضمير من قوله : وما هو عائد على أحدهم ، وهو اسم ما ، وبمزحزحه خبر ما ، فهو في موضع نصب ، وذلك على لغة أهل الحجاز .
وعلى ذلك ينبغي أن يحمل ما ورد في القرآن من ذلك ، وأن يعمر فاعل بمزحزحه ، أي وما أحدهم مزحزحه من العذاب تعمير .
وجوّزوا أيضاً في هذا الوجه ، أعني : أن يكون الضمير عائداً على أحدهم ، أن يكون هو مبتدأ ، وبمزحزحه خبر .
وأن يعمر فاعل بمزحزحه ، فتكون ما تميمية .
وهذا الوجه ، أعني أن تكون ما تميمية هو الذي ابتدأ به ابن عطية .
وأجازوا أن يكون هو ضميراً عائداً على المصدر المفهوم من قوله : { لو يعمر } ، وأن يعمر بدل منه ، وارتفاع هو على وجهيه من كونه اسم ما أو مبتدأ .
وقيل : هو كناية عن التعمير ، وأن يعمر بدل منه ، ولا يعود هو على شيء قبله .
والفرق بين هذا القول والذي قبله ، أن مفسر الضمير هنا هو البدل ، ومفسره في القول الأول هو المصدر الدال عليه الفعل في لو يعمر .
وكون البدل يفسر الضمير فيه خلاف ، ولا خلاف في تفسير الضمير بالمصدر المفهوم من الفعل السابق .
فهذا يفسره ما قبله ، وذاك يفسره ما بعده .
وهذا الذي عنى الزمخشري بقوله : ويجوز أن يكون هو مبهماً ، وأن يعمر موضحه .
يعني : أن يكون هو لا يعود على شيء قبله ، وأن يعمر بدل منه وهو مفسر .
وأجاز أبو علي الفارسي في الحلبيات أن يكون هو ضمير الشأن ، وهذا ميل منه إلى مذهب الكوفيين ، وهو أن مفسر ضمير الشأن ، وهو المسمى عندهم بالمجهول ، يجوز أن يكون غير جملة إذا انتظم إسناداً معنوياً نحو : ظننته قائماً زيد ، وما هو بقائم زيد ، فهو مبتدأ ضمير مجهول عندهم ، وبقائم في موضع الخبر ، وزيد فاعل بقائم .
وكان المعنى عندهم : ما هو يقوم زيد ، ولذلك أعربوا في : ظننته قائماً زيد ، الهاء ضمير المجهول ، وهي مفعول ظننت ، وقائماً المفعول الثاني ، وزيد فاعل بقائم .
ولا يجوز في مذهب البصريين أن يفسر إلا بجملة مصرّح بجزأيها سالمة من حرف جر .
قال ابن عطية ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : هو عماد .
انتهى كلامه ، ويحتاج إلى تفسير ، وذلك أن العماد في مذهب بعض الكوفيين يجوز أن يتقدّم مع الخبر على المبتدأ ، فإذا قلت : ما زيد هو القائم ، جوّزوا أن تقول : ما هو القائم زيد .
فتقدير الكلام عندهم ، وما تعميره هو بمزحزحه .
ثم قدم الخبر مع العماد ، فجاء : وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، أي تعميره ، ولا يجوز ذلك عند البصريين ، لأن شرط الفصل عندهم أن يكون متوسطاً .
وتلخص في هذا الضمير : أهو عائد على أحدهم ؟ أو على المصدر المفهوم من يعمر ؟ أو على ما بعده من قوله أن يعمر ؟ أو هو ضمير الشأن ؟ أو عماد ؟ أقوال خمسة ، أظهرها الأول .
{ والله بصير بما يعملون } : قرأ الجمهور يعملون بالياء ، على نسق الكلام السابق .
وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب بالتاء ، على سبيل الالتفات والخروج من العيبة إلى الخطاب .
وهذه الجملة تتضمن التهديد والوعيد ، وأتى هنا بصفة بصير ، وإن كان الله تعالى متنزهاً عن الجارحة ، إعلاماً بأن علمه ، بجميع الأعمال ، علم إحاطة وإدراك للخفيات .
وما : في بما ، موصولة ، والعائد محذوف ، أي يعملونه .
وجوّزوا فيها أن تكون مصدرية أي بعملهم ، وأتى بصيغة المضارع ، وإن كان علمه تعالى محيطاً بأعمالهم السالفة والآتية لتواخي الفواصل .