بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (191)

{ الذين يَذْكُرُونَ الله قياما وَقُعُوداً } أي يصلون لله قياماً إن استطاعوا على القيام ، وقعوداً إن لم يستطيعوا القيام { وعلى جُنُوبِهِمْ } إن لم يستطيعوا القعود لزمانة .

ويقال : معناه الذين يذكرون الله في الأحوال كلها في حال القيام والقعود والاضطجاع ، كما قال في آية أخرى : { يا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً } [ الأحزاب : 41 ] ثم قال : { وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السماوات والأرض } أي يعتبرون في خلقهما . قال : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدثنا السراج ، قال : حدثنا قتيبة ، قال : حدثنا ابن زرارة الحلبي ، عن أبي حباب ، عن عطاء بن أبي رباح قال : دخلت مع ابن عمر وعبيد بن عمير على عائشة ، فسلمنا عليها فقالت : من هؤلاء ؟ فقلت : عبد الله بن عمر ، وعبيد بن عمير . فقالت : مرحباً بك يا عبيد بن عمير ، ما لك لا تزورنا ؟ فقال عبيد : زر غبّاً تَزْدَدْ حُبّاً فقال ابن عمر : دعونا من هذا ، حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت بكاء شديداً ثم قالت : كل أمره عجب ، أتاني في ليلتي فدخل في فراشي حتى ألصق جلده بجلدي ، فقال : « يَا عَائِشَةُ أَتَأْذَنِينَ لِي أنْ أَعْبُدَ رَبِّي » فقلت : والله إني لأحب قربك ، والله إني لأحب هواك . فقام إلى قربة ماء فتوضأ ، ثم قام فبكى وهو قائم حتى روت الدموع حجره ، ثم اتكأ على شقه الأيمن ، ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ، فبكى حتى روت الدموع الأرض . ثم أتاه بلال بعدما أذن للفجر ، فلما رآه يبكي قال : أتبكي يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : « يَا بِلالُ أفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً ، وَمَا لِي لا أبْكِي وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةُ { إِنَّ فِي خَلْق السماوات والأرض إِلَى . . . قَوْلُهُ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَها وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا » وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « تَفَكَّرُوا فِي الخَلْقِ وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي الخَالِقِ » وقال صلى الله عليه وسلم : « تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ »

ثم قال تعالى عز وجل : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا } أي يتفكرون ويقولون : { ربنا ما خلقت هذا باطلاً } عبثاً بغير شيء ، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن { سبحانك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } يعني ادفع عذاب النار . وقال الزجاج : معنى { سبحانك } أي تنزيهاً لك من أن تكون خلقتهما باطلاً { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أي صدَّقْنا رسلك ، وسلَّمنا أن لك جنة وناراً { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .