فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (191)

الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار191 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من انصار192

( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) المراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة وغيرها ، وذهب جماعة من المفسرين إلى ان الذكر هنا عبارة عن الصلاة وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس وقتادة أي لا يضيعونها في حال من الأحوال فيصلونها قياما مع عدم العذر ، وقعودا وعلى جنوبهم مع العذر ، وعن ابن مسعود قال : إنما هذه في الصلاة إذا لم يستطع قائما فقاعدا ، وإن لم يستطع قاعدا فعلى جنبه .

وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال كانت لي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب{[395]} .

وثبت فيه عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال :من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد{[396]} .

وعن قتادة قال : هذه حالاتك كلها يا ابن آدم ، اذكر الله وأنت قائم فإن لم تستطع فاذكره جالسا فإن لم تستطع جالسا فاذكره وأنت على جنبك ، يسر من الله وتخفيف .

وأقول هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له لا من الآية ولا من غيرها فإنه لم يرد في شئ من الكتاب ولا في السنة ما يدل على انه لا يجوز الذكر من قعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ، ولا يجوز على جنب إلا مع عدم استطاعته من قعود ، وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة كما سبق عن ابن مسعود وغيره .

( ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) أي في بديع صنعهما وإتقانهما مع عظم أجرامهما فإن هذا الفكر إذا كان صادقا أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه ، وعن عائشة مرفوعا :ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها ، وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقا .

ويقولون ( ربنا ما خلقت هذا ) الخلق الذي نراه ( باطلا ) أي عبثا ولهوا بل خلقته دليلا على حكمتك ووحدانيتك وقدرتك . والباطل الزائل الذاهب ، وخلق بمعنى جعل والإشارة بقوله " هذا " الى السموات والأرض أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق .

( سبحانك ) تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها ان يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلا وهزلا وعبثا ، والفاء في ( فقنا ) لترتيب هذا الدعاء على ما قبله ( عذاب النار ) علم عباده كيفية الدعاء ، فمن أراد ان يدعو فليقدم الثناء على الله اولا ثم يأتي بالدعاء .


[395]:صحيح الجامع الصغير 3672.
[396]:صحيح الجامع الصغير 6239.