فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (191)

{ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض } لا ينقطعون عن ذكر الله تعالى في جميع أحوالهم بألسنتهم وقلوبهم وعقولهم ويتأملون ويتدبرون بديع صنع ربهم في أنفسهم وفي الكون المحيط بهم ؛ وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه { قياما } و{ قعودا } نصبا على الحال ، { وعلى جنوبهم } في موضع الحال أيضا أي مضطجعين ومثله قوله تعالى { . . دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما . . }{[1265]} ، على العكس والفكرة : تردد القلب في الشيء . وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة وفيه : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران وقام إلى شن{[1266]} معلق فتوضأ وضوءا خفيفا ثم صلى ثلاثة عشر ركعة .

{ ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } يقول الذاكرون المتفكرون : يا ربنا شهدنا أنك ما خلقت هذه المخلوقات عبثا ولا لعبا ننزه مولانا ونقدسه أن يفعل شيئا إلا لحكمة ؛ فاللهم احفظنا من حر جهنم وشرها وما يقرب إليها من قول أو عمل ، وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته ، فقال { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون }{[1267]}-{[1268]} ، ويقول صاحب الجامع لأحكام القرآن ما حاصله : ختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته ، إذ لا تصدر إلا عن حي قيوم قدير قدوس سلام ، غني عن العالمين حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد . 1ه .


[1265]:من سورة يونس الآية 12.
[1266]:قربة
[1267]:من سورة يوسف الآيتان 105-106.
[1268]:من تفسير القرآن العظيم.